د. سالم بلان: بعد عشر سنوات لن يموت احد من مرض السرطان!
يعرف مرض السرطان على انه خروج خلايا معينة في الجسم عن سيطرة جهاز المرتقبة عليها، بمعنى ان اي خلل او طفرة تطرأ على الخلية يرافقها خلل معين في جهاز المراقبة، الذي من واجبه القضاء على هذه الخلايا، وعندها تبدأ هذه الخلية بشكل غير منتظم وغير مراقب، إلى ما لا نهاية، ثم تتسع وتنتشر حتى تصيب الأعضاء المختلفة. هذا هو باختصار وبكلمات مبسطة تعريف أخطر أمراض العصر، الذي يخشى بعض الناس من ذكر اسمه، ويصفونه بـ "المرض العاطل" أو حتى يقولون "ذاك المرض" في إشارة إلى مرض السرطان كفى الله الجميع شرّه.
 |
د. سالم بلان |
كل ما تريد ان تعرفه عن المرض الخبيث في هذه المقابلة الخاصة التي اجراها موقع "فرفش" مع مدير وحدة اورام العنق والرأس في مشفى رمبام في حيفا ومدير قسم الاورام في مشفى العائلة المقدسة في الناصرة الأخصائي د. سالم بلان.فرفش: اين تكمن خطورة هذا المرض الذي يحير الأطباء ويقض مضاجع المرضى؟
د. بلان: مرة أخرى أعود إلى نقطة التعريف لهذا المرض وأقول إن كل خلايا الجسم موجودة تحت جهاز مراقبة، وهنالك جينات معينة وظيفة الكشف عن الخلايا التي تتكاثر بشكل غير منتظم وتقتل هذه الخلايا قبل أن تتطور وتنتشر، وكل يوم تنتج في جسم الإنسان العديد من هذه الطفرات لكن جهاز المراقبة يقضي عليها قبل أن تتكاثر، والمرض يتطور عندما يحدث خلل ما في جهاز المراقبة، وتبدأ هذه الخلايا بالتطور، وتنتج لنفسها اوعية دموية، وتستمر في التكاثر حتى تظهر على شكل ورم سرطاني في احد أعضاء الجسم.
هذا هو المفهوم الشائع لأسباب الإصابة بمرض السرطان ولكن في ظل تطور الطب فإننا نطلع يوميا على العديد من النظريات الطبية، فالبعض يعتقد ان التدخين هو الذي يسبب هذه الطفرة في الخلية، وهنالك من يعتقد انها ناجمة عن التعرض لمادة الاسبست، بينما يتجه البعض للاعتقاد بأن السبب هو الدخان المتصاعد من حرق النفايات او الغذاء غير الصحي، وكل هذه الأسباب قد تؤثر على الجسم وتطور خلايا سرطانية.
وهنالك سبب آخر لانتشار المرض يكمن في جهاز تكاثر الخلية الذي يكون أقوى من جهاز المراقبة، بحيث يعجز جهاز المراقبة عن محاربة الخلايا السرطانية التي تتطور بسرعة كبيرة، وهذا احد العوامل الذي يضاف الى الخلل في جهاز المراقبة. أضف الى ذلك ان هنالك سرطانات قد يسببها فيروس معين كسرطان عنق الرحم مثلا، لذلك فقد نجح الطب في تطوير تطعيم لهذا النوع من السرطان الذي سببه فيروسي.
فرفش: لماذا يعجز الطب عن محاربة هذه الخلايا قبل ان تتطور؟
د. بلان: عندما تبدأ الخلية بالتكاثر لا يستطيع الطب ان يشخصها، ونستطيع الكشف عنه فقط عندما يمكن رؤيته بواسطة جهاز CT ولكن عندما يصل وضع الخلايا الى هذا الحد فإنه يكون قد مر عليه سنوات، واعتقد ان سرطان الامعاء الغليظة عندما يظهر في بدايته عن طريق فحص CT أو فحص "كولونسكوبيا" يكون قد مضى على تطوره عشر سنوات. هذه المرحلة التي يكون السرطان فيها لا يظهر في الصور والفحوص، قد يكشف عنها الاختراع الجديد للبرفيسور حسام حايك، وهو الأنف الالكتروني الذي يستطيع تشخيص رائحة البروتينات التي تفرزها الخلايا السرطانية لتعطيل جهاز المراقبة. ويكون هذا هو الاكتشاف المبكر اكثر من المبكر، بمعنى انه يكون لدينا فكرة أن الشخص في مرحلة تطوير سرطان معين.
فيديو شرح عن تكوّن الخلية السرطانية فرفش: هل يلعب العامل الوراثي دورا في هذه المرحلة؟
د. بلان: طبعا بالتأكيد فهنالك أشخاص يعيشون 100 عام وهم مدخنون ولا يصابون بأي مرض، لذلك فإننا نعتقد بأن هنالك عوامل وراثية تسبب سرطان الرئتين، وهنالك أشخاص يتمتعون بجهاز مراقبة قوي جدا، أو جينات قوية، لا تسمح بتطور الخلية السرطانية في الجسم، ولكن هذا المجال لا يزال يفتقر إلى الأبحاث العلمية الناجعة التي يمكن الاستناد اليها.
فرفش: هل كل عضو في جسم الإنسان يمكن ان يطور مثل هذه الطفرات في الخلية، أم ان هنالك اعضاء لا يصيبها السرطان؟
د. بلان: كل أعضاء الجسم ممكن ان تتطور فيها خلايا سرطانية، ولا يوجد عضو معفي من السرطان، ولكن هنالك أنواع أكثر شيوعا من غيرها كسرطان الثدي عند المرأة وسرطان البروستاتا عند الرجل، أما السبب لانتشار هذه الأنواع أكثر من سواها فهو أمر غير معروف، ولكن نحمد الله ان هذه الانواع هي الاكثر شيوعا لان الطب قد قطع شوطا كبيرا في معالجة هذه السرطانات تحديدا. نعم كل عضو في الجسم ممكن ان يطور سرطانات ولكن هنالك انواع يمكن الكشف عنها في مراحل مبكرة كالثدي والأمعاء الغليظة، بينما هنالك سرطانات كالرئة مثلا للأسف الشديد فإنه عندما يكتشف يكون في مراحل متقدمة.
فرفش: بعد أن يتم اكتشاف المرض أين تكمن الصعوبة في علاجه؟
د. بلان: اولا.. أفضل وسيلة لعلاج السرطان هي منعه، (الوقاية منه) سواء عن طريق التغذية السليمة والتخفيف من التعرض لأجواء ملوثة، أما المرحلة الثانية، وإذا لم نستطع منعه فنأمل بالاكتشاف المبكر، وذلك عن طريق إجراء الفحوص الدورية، وثالثا علينا مراقبة الصحة العامة للعائلة ومعرفة ما إذا كان هنالك شخص قريب من الدرجة الأولى يحمل جينات معينة يحتمل أن تطور مرض السرطان، وأحيانا يصل هذا الاحتمال إلى 90% وهنالك إمكانية اليوم لمعالجة هذه الجينات قبل تطورها في الثدي او في الامعاء الغليظة، وهنالك أيضا تطعيم لسرطان الرحم على سبيل المثال الناجم عن فيروس معروف لدى الأطباء.
ولكن بالمقابل هنالك انواع من السرطان التي نقوم بالكشف عنها في فحوصات المسح الشامل للجسم، تصيب بعض الاعضاء التي لا يمكن للطب حتى اليوم معالجتها، لان الخلية السرطانية تكوّن لنفسها عدة مسارات الى الـ DNA وتتغذى وتتكاثر من عدة مصادر، فقد نحارب أحد هذه المسارات لكن القضاء عليها يكون شبه مستحيل. لكن الطب لا يعرف المستحيل والأبحاث مستمرة للتعرف على هذا العدو لكي نعرف كيف نحاربه.
اسباب مرض السرطانفي أي جيل ينصح باجراء فحوصات دورية وقائية؟
د. بلان: اولا من الضروري الاشارة هنا الى ان الهدف من الكشف المبكر، ليس فقط من اجل الكشف أو من اجل الاحصائيات، وانما من اجل التقليل من حالات الوفاة بمرض السرطان، ولذلك فأن وزارة الصحة لم تكن لتخصص ميزانيات دعم لهذه الفحوص الا بعد قناعتها التامة بان هذه الفحوصات تقلل من نسب الوفاة، لذلك ننصح كل امرأة باجراء فحص "ميموغرافيا" من جيل 50 لغاية 69، واذا كانت هنالك حالة اصابة لقريبة من الدرجة الاولى (ام او خالة) فمن جيل 40. اما بالنسبة لسرطان الامعاء الغليظة فننصح باجراء الفحص من جيل 50 لمن ليس لديهم أقارب عانوا الاصابة بهذا المرض، واذا كان هناك مريض في العائلة فمن جيل 40.
"فرفش": متى تلجئون الى الجراحة دون العلاجات الكيماوية والبيولوجية؟
د. بلان: لكل مريض سرطان يتم تشكيل طاقم من الاطباء، احدهم جراح وآخر اخصائي اورام سرطانية، وثالث خبير بالعلاجات البيولوجية، ورابع خبير اشعة، ولكل حالة خصوصيتها، يجتمع الطاقم عادة ويحدد نوعية العلاج الذي يعطى للمريض. والتدخل الجراحي عادة ما يتبعه علاج كيماوي ايضا او بيولوجي وقائي للقضاء على الخلايا السرطانية كليا. واحيانا يكفي العلاج بالأشعة للقضاء على المرض كليا دون أي تدخل لعلاجات أخرى منها سرطان عنق الرحم وانواع من الليمفوما والاوتار الصوتية، والدماغ والبروستاتا، ويكون الشفاء منها تام. اما السرطانات التي تحتاج الى جراحة فهي : الثدي، الامعاء، الرئة، البنكرياس والمسالك البولية، وتلعب الجراحة دورا رئيسيا في علاج هذه الأمراض، واحيانا يكون هنالك دمج بين العلاج بالأشعة لتصغير حجم الورم ثم استئصاله بالجراحة. واليوم نلحظ نتائج ايجابية في إطالة عمر المرضى، وقد نجحنا في تحويل بعض أمراض السرطان الى أمراض مزمنة يعيش معها الإنسان لفترات طويلة. ولأول مرة أقول انه مع تطور العلم والطب بهذه الوتيرة، اعتقد انه بعد عشر سنوات لن يموت احد من مرض السرطان. ولو نظرنا اليوم الى نسب الاصابة بالسرطان نجد انبين 30 – 40% من سكان اسرائيل يصابون بالسرطان في مرحلة ما من حياتهم، وهذه نسب هائلة وخطيرة جدا. ولكن ما يثلج صدورنا ان بعض هذه الامراض سببها ازدياد متوسط عمر المواطن في هذه البلاد والذي يصل الى حوالي 84 عاما.
هل هنالك انواع من امراض السرطان شائعة في المجتمع العربي اكثر من اليهود؟
د. بلان: للاسف الشديد سرطان الرئتين الخطير نسبته قليلة جدا بين اليهود، ولكنه فتاك جدا بين العرب بسبب نسب التدخين العالية لدى العرب، ولا أفشي سرا لو قلت انه فقط في اليومين الأخيرين، تم الكشف عن 14 حالة اصابة بسرطان الرئة لدى مواطنين عرب، فالأمر خطير جدا ومؤلم جدا. بينما السرطانات غير الشائعة بين العرب هي "ميلانوما" أي سرطان الجلد، الذي يصيب اكثر ذوي الشعر الأشقر والبشرة الفاتحة نتيجة تعرضهم للشمس. سرطان الأمعاء الغليظة كان نادرا بين العرب عندما كانوا يعتمدون في غذائهم على الخبيزة والسبانخ والبقول وغيرها، أما اليوم مع انتقالنا الى انماط حياة "عصرية" ازداد بشكل كبير.
دخول
العمل. 
