تفسير أسباب الأمراض عند قدامى الأطباء العرب والمسلمين
ردَّ القدماءُ، ومنهم الأطبَّاءُ العرب والمسلمين، أسبابَ الأمراض إلى فساد أخلاط الجسم، بالنقص أو بالزيادة ، أو بفساد طَبيعتها، أو عدم نُضجها، أو بتوقُّف نضجها.
أمَّا سوءُ مزاجٍ عضو ما فيَنجم عن سوء قِيامه بوظيفته، ويحدثُ ذلك حين يتبرَّد إذا كان مزاجُه الطبيعي حاراً، أو تزداد حرارتُه إذا كان مزاجُه الطبيعي بارداً.
هذا فيما يتعلَّق بالأمراض الباطنة التي تصيب الأعضاءَ المفردة. أمَّا الأمراضُ الباطنة التي تصيب الجسمَ كلَّه، كالحُمَّيات مثلاً، فقد رَدُّوا حُدوثَها إمَّا إلى فساد هواء المنطقة، أو فساد مياهها، أو إلى عفنٍ يُصيب بعضَ الأخلاط، لاسيَّما الدم.
ومن الجدير بالذكر أن نشيرَ إلى أنَّ ابنَ سينا كان أوَّلَ من تَحدَّث عن الهواء الفاسد، وإمكانيَّة نقله للأمراض. وهذه إشارةٌ منه إلى وجود عوامل مُمرِضة تنتقل بالهواء (وهي ما تُعرَف في أيَّامنا هذه بالجراثيم أو البكتيريا (
كما أنَّ هناك أسباباً طارئة أو خارجية لبعض الأمراض، كالجُروح بالآلات القاطعة، والرُّضوض بالأحجار أو ما شابهها، ولدغ الأفاعي والحشرات، والإصابات النَّاجمة عن الشمس المُحرِقة والبرد القارس وما شابه ذلك
صفحاتٌ من تاريخ التُّراث الطبِّي العربي الإسلامي، الأستاذ الدكتور عَبد الكَريم شحادَة.
>>>>>>>>>>>>
.
علم الأمراض في الطب العربي القديم
وصف الأطبَّاءُ العرب الصحَّةَ health بأنَّها حالةُ الجِسم السليم التي تكون فيها أمزجتُه متوازنةً ومعتدلة ، وأجهزتُه تقوم بوظائفها على الوجه الأمثل.
ووصفوا المرضَ disease بأنَّه الحالةُ التي تكون فيها الأجهزةُ مختلَّةً والأمزجة غيرَ متوازنة.
وبقيت هذه المفاهيمُ مقبولةً ومتَّبعة في تفسير أسباب الأمراض (الباثولوجيا pathology) ومعرفة كنهها حتَّى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أي حتى اكتشاف العوامل الممرضة الحقيقية واختراع وسائل التشخيص المتطوِّرة. وبذلك دخل علمُ الأمراض ميادينَ فسيحةً من المعرفة, وتغيَّر كثيرٌ من المفاهيم الطبِّية المتعلِّقة بتعليل الظواهر المرضية وظهور الأمراض.
كما قسَّم الأطباءُ العرب الأمراضَ التي تعتري الإنسان إلى عدَّة أنواع، منها:
● الأمراض الموضعيَّة: وهي الأمراضُ الظاهرة للعيان، والتي تُغيِّر شكلَ العضو أو قوامه، أو لونه؛ ومنها:
- الأورام الحارَّة: هي التي ندعوها في هذه الأيَّام الالتهاباتِ المزمنة.
- الأورام الجاسية أو الصُّلبة: وهي إمَّا أن تكونَ حميدة كالثآليل والمسامير، وإمَّا أن تكونَ خبيثة كالسَّرطانات الجلدية.
● الأمراض العامَّة: وهي الأمراضُ الباطنية التي لا تظهر للعيان، بل تُعرَف بما ينجم عنها من أعراض وعلامات مَرَضية.
وتنشأ هذه الأمراضُ عن فساد في مزاج العضو المريض أو الجهاز المعتل، فيصبح قاصراً عن تأدية وظيفته الطبيعية.
وكان القدماءُ يَرُدُّون ذلك إلى اضطراب في الأخلاط الطبيعية أو خلل يطرأ عليها:
- فقد تُصادَف في غير مواضعها، كوجود المرَّة السوداء في المعدة بدلاً من وجودها في الطحال.
- وقد يَعتريها الفسادُ في تركيبها.
- وقد لا تكون ناضجةً أو يكون نُضجُها زائداً أو ناقصاً.
- وقد تزداد كمِّيتُها عما ينبغي أو تنقص.
أمَّا ما يخرج عن الطبيعة فيُسمَّى فضلاً أو فضولاً، ويصبح موادَّ ضارَّةً يتخلُّص منها الجسمُ بالاستفراغ (كالتقيُّؤ والإسهال والتبوُّل والتغوُّط والتعرُّق).
وقد قَسَّم عليُّ بن عباس المجوسي الأمراضَ إلى ثلاثة أنواع:
■ أمراض الأعضاء المتشابهة الأجزاء: وهي إمَّا أن تكونَ بسيطة، وإمَّا أن تكونَ مركَّبة:
- فالبسيطةُ أربعة: حارَّة، أو باردة، أو رطبة، أو جافَّة.
- والمركَّبة أربعة: حارَّة رطبة، أو حارَّة جافة، أو باردة رطبة، أو باردة جافة.
■ أمراض الأعضاء الآلية: وهي أربعةُ أنواع:
- أمراض الخِلقة: وهي التي تؤثِّر في شكل العضو المصاب.
- أمراض المقدار: وهي التي تؤثِّر في حجم العضو المصاب.
- أمراض العَدد: وهي التي تؤثِّر في عدد الأعضاء المصابة.
- أمراض الموضِع: وهي التي تتعلِّق بمكان العضو المصاب.
■ أمراض تَفَرُّق الاتِّصال: وتشمل إصاباتِ الأعضاء السابقة
(المتشابهة الأجزاء والآلية)، وينجم عنها انفصالٌ بين أجزائها. وتحدث هذه الإصاباتُ في العظام والجلد والعضلات وخلافها، كالرأس والوجه واليدين والقدمين وغيرها من الأعضاء المركَّبة.
فإذا أصابت العظامَ سُمِّيت كسوراً، وإذا أصابت الجلدَ والعضلات دُعيت جروحاً، وإذا استمرَّت وأزمنت سُمِّيت قُروحاً.
صفحاتٌ من تاريخ التُّراث الطبِّي العربي الإسلامي، الأستاذ الدكتور عَبد الكَريم شحادَة.
منقول