تتواصل الأبحاث والدراسات العلمية التي يقوم بها العلماء في مختلف أنحاء العالم في سبيل الكشف عن أسباب ومعالجة مرض التوحد الذي انتشر بشكل واسع في السنوات الأخيرة، ويعتبر التوحد من الاضطرابات القديمة حيث تم تشخيص أولى الحالات سنة 1943 من طرف الطبيب الأمريكي ليو كاتر، ومازالت تظهر الحالات إلى يومنا دون أسباب معينة وواضحة.
يعرف الباحثون التوحد على أنه نوع من الاضطرابات يظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر. وينتج ذلك عن خلل في الجهاز العصبي والذي يؤثر بدوره على وظائف المخ، وبالتالي على مختلف نواحي النمو العقلي والإدراكي، ومسببات مرض التوحد ما زالت غير معروفة و لكن تظهر البحوث أهمية العوامل الجينية. كما تؤكد البحوث على أن التوحد يمكن ربطه بمجموعة من الحالات التى تؤثر على نمو الدماغ و التى تحدث قبل أو أثناء أو مباشرة بعد الولادة.
وتظهر أعراض التوحد عند الأطفال وهم مازالوا صغارا ويسبب تأخر الطفل فى الكلام واللعب والتفاعل مع الآخرين. وتختلف وتتفاوت أعراض التوحد ما بين طفل وآخر مع الوضع في الاعتبار أن هناك نقاطاً ومناطق رئيسية تظهر فيها مشاكل عند الطفل المصاب بالتوحد مثل إمكانية التواصل سواء لفظيا أو التعامل مع العالم الخارجي والتفكير بمرونة بعض الشيء.
تشخيص المرض
في السياق ذاته أوضحت دراسة أميركية أن هناك إمكانية للاستدلال على حدوث التوحُّد لدى الأطفال، وذلك من خلال تحليل المشيمة. ووجدت الدراسة التي نشرت مؤخراً بصحيفة "نيويورك تايمز" أن مشيمة الأطفال الذين لديهم خطر حدوث مرض التوحد مرتفع، تحتوي على طيات وتجعدات غير طبيعية.
وتقول الدكتورة شريل وولكر، أخصائية الأمراض النسائية والتوليد في معهد "ميند" بجامعة كاليفورنيا "إن المشيمة لدى الأطفال الذين لديهم خطر التوحد مرتفع تبدو مختلفة بشكل واضح". وبدأت الدراسة عام 2006، حيث نشر الدكتور كليمان وزملاؤه، نتائج دراسة قاموا بإجرائها على مشيمات 13 طفلاً لديهم توحّد، وجدوا من خلالها أن مشيماتهم كانت غير طبيعة وكانت تحتوي على تجعدات غير طبيعية بمعدل ثلاثة أضعاف.
وهذه الدراسة كانت مفتاح الدراسة الجديدة التي قام بها بعمل مشترك مع الدكتورة وولكر، حيث قاموا بفحص 217 مشيمة، 100 منهم كانت لأطفال لديهم خطر التوحد منخفض و117 تخصّ أطفالاً لديهم خطر التوحّد مرتفع. واتضح منها أن ثلثي المشيمات العائدة لأطفال لديهم خطر التوحد منخفض، كانت طبيعية ولم تحتوِ على تجعدات، بينما 65% من المشيمات التي تعود لأطفال مرتفعي الخطر احتوت على تجعدات غير طبيعية. وأشارت الدكتورة وولكر إلى أنه غالباً ما يتطور التوحُّد عند الأطفال الذين لديهم خطر التوحُّد بنسبة بين 2% و7%، بينما يحدث عند 20-25% منهم إما توحد أو شكل آخر من تأخر التطور.
ومن جهة أخرى، يقول الخبراء إن هناك فائدة كبيرة إن تم إثبات وجود علاقة بين شكل المشيمة ووجود التوحد عند الأطفال، إذ يمكن بهذه الحالة استعمال هذه الميزة كمؤشر لمعرفة إمكانية وجود التوحد عند الاطفال الذين لديهم خطر الإصابة به مرتفع. يُذكر أن عوامل خطر التوحد تزداد من خلال وجود تاريخ عائلي، كما أنه يحدث عند الذكور أكثر من الإناث بمعدل خمسة أضعاف، بالإضافة إلى عوامل ما زالت تحت الدراسة مثل عمر الوالد والخداجة الشديدة ونقص وزن الولادة.
الى جانب ذلك قال علماء متخصصون فى مرض التوحد إنهم فى حاجة إلى المزيد من عينات الأدمغة البشرية لإجراء أبحاثهم فى هذا المرض. وأعلن العلماء عن شبكة جديدة لجمع عينات الأدمغة فى أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. وقال العلماء إنه كلما توفر الكثير من العينات، تحسنت فرص إيجاد أفضل الطرق لعلاج هذا المرض. ويوجد للشبكة حتى الآن أربعة مواقع فى الولايات المتحدة؛ بكلية الطب بجامعة جبل سيناء فى ولاية نيويورك، وجامعة كاليفورنيا فى ديفيز، وجامعة جنوب غرب تكساس فى مدينة دالاس، ومستشفى ماكلين قرب مدينة بوسطن. وأدى عطل فى ثلاجة فى مستشفى تابعة لجامعة هارفارد إلى تلف عينات الأدمغة التى كانت موجودة بها.
وقال طبيب الأعصاب روبرت رينغ من مجموعة مدافعة عن مرضى التوحد، إنه كانت هناك خطط من قبل لإنشاء مثل تلك الشبكة قبل حادثة مستشفى هارفارد. وقال رينغ إن الشبكة حصلت على توقيع من أكثر من 600 متبرع بعد الوفاة. وهناك حاجة إلى عينات أدمغة مرضى التوحد وأقرانهم من الأصحاء لإجراء الأبحاث.
على صعيد متصل ابتكر علماء أمريكيون طريقة جديدة لتشخيص مرض التوحد بدقة عند الأطفال، تعتمد على الإنترنت وهي تحتاج لدقائق بدلا من ساعات التشخيص التقليدية، ما سيساعد في علاج مبكر للمرض. ونقل موقع (هلث داي نيوز) الأمريكي عن الباحثين بجامعة هارفارد أن الطريقة الجديدة تعتمد على سبعة أسئلة إضافة إلى مقطع فيديو منزلي صغير للطفل.
وقال العلماء إن هذه الطريقة عبر الإنترنت يمكن أن تخفض الوقت الذي يستغرقه تشخيص التوحد بنسبة تقارب 95 في المئة. وقال الباحث دنيس وول نعتقد أن هذا النهج سيجعل بالإمكان تشخيص الحالة عند مزيد من الأطفال بدقة خلال فترة مبكرة عندما تكون العلاجات السلوكية أكثر فعالية. بحسب يونايتد برس.
ويعتمد التشخيص التقليدي الحالي على اختبار تقييمي لأنواع مختلفة من السلوكيات يتألف من 93 جزءا، وهو يستغرق ثلاث ساعات تقريبا، وينبغي أن يكون الشخص المسؤول مختصا ومدربا. وقال وول إنه في كثير من الحالات يكون هناك تأخر أكثر من سنة بين الأعراض الأساسية للتوحد وبين التشخيص، وهذا بسبب أوقات الانتظار للجوء إلى مختص يمكنه إجراء الاختبارات اللازمة وتقديم تشخيص رسمي للحالة. ووجد العلماء الذين نظروا في بيانات لأكثر من 800 شخص تم تشخيص المرض لديهم، أن سبعة أسئلة فقط خلال الطريقة الجديدة كافية للتشخيص بدقة تقارب 100 في المئة.
لقاح جديد
يتبع