الرجل الذئب . مرض مجهول الهوية
البروفيريا ( Porphyria ) .. مرض عضوي شديد الندرة قابل للتوارث..ينجم عن اختلال تمثيل الحديد في الجسم..ومن أعراض هذا المرض المغص..والبول الأسود..ويصبح المريض بعد ذلك شديد الشحوب..بارز الأنياب..وفي حالات نادرة جداً تستطيل الأظفار و يتجعد الجلد و تصير الحواجب كثيفة و الشفاه مشققة و العينان حمراوين و يزداد الشحوب إلي درجة مريعة و يفقد المريض عقله تماما..إلي درجة أنه يبدأ بالعواء حين يرى القمر..حيث يسيطر عليه شعور بأنه ذئب..وأخيراً وليس آخرا..لا يستطيع المريض تحمل أشعة الشمس..الأمر الذي يجعله يختفي تماما في النهار و لا يخرج إلا ليلا..أي باختصار..يتحول المريض إلي ذئب بشري..والاسم اللاتيني لهذا المرض هو ( لايكا أنثروبي ) ..أي حالة التصور الذئبي.
وتجدر الإشارة إلي الطبيب اليوناني ( مارسليوس سايدي ) هو الذي اكتشف ذلك المرض الغريب في القرون الوسطى..وقد أجرى بعض الأطباء العرب الذين لهم وزنهم-مثل ابن سينا و الزهراوي- دراسات مكثفة عن هذا المرض ..وأسموه بداء ( القطرب )..ولو بحث في كتب التاريخ ..لوجدتها مليئة بحوادث قتل كان سببها رجال تحولوا إلي ذئاب..وأبرز ضحايا هذا المرض على الإطلاق هو ملك بريطانيا ( جورج الثالث ) الذي حكم بلاده لمدة ستين عاما..إلي أن بدأت تظهر عليه أعراض المرض ..وبدأ سلوكه يتسم بسمات حيوانية همجية بحتة..مما جعل ابنه ( ريجنت ) يستلم زمام الحكم منذ عام 1811م إلي 1821م..ولكن هذا لم يكن كافياً..فقد ثار الناس في أمريكا الشمالية و التي عبارة عن مستعمرات بريطانية..وطالبوا بالاستقلال عن بريطانيا و عن ملكها الحيوان الهمجي-كما وصفوه-إلي أن نالت تلك المستعمرات استقلالها بالفعل..لذا نستطيع القول بلا مبالقة أن أمريكا كانت ستظل مستعمرة بريطانية إلي يومنا هذا ..لولا أسطورة الرجل الذئب.
ولكن..ما هو سبب الإصابة باختلال تمثيل الحديد بالجسم الذي يؤدي بدوره إلي الإصابة بهذا المرض الغريب؟..في الواقع أن الطب لم يتوصل إلي الإجابة الشافية على هذا السؤال حتى الآن..لقد رجح بعض العلماء أن سبب الإصابة بهذا المرض هو عضة ذئب مسعور..وقال البعض الآخر أن السبب هو أكل بعض أنواع فطر عش الغراب السام..إلا أن جميع تلك الاستنتاجات تفتقر إلي الدليل القاطع..فالمشكلة الرئيسة في ذلك المرض هي أن الغالبية العظمى من الأطباء لا يعرفون عنه شيئا بسبب ندرته الشديدة..لذا فالأبحاث التي أجريت عنه قليلة جداً.
فإن أفضل ما قيل في وصف حالة الشخص المصاب بداء ( القطرب ) هو ما ذكره بعض الأطباء الذين قاموا بدراسة مكثفة حول هذا المرض..عندما و صفوا المصاب بداء ( القطرب ) بأنه شخص ( غير ميت )..ومصطلح (غير ميت) لايعني إطلاقا أنه ( حي )..إذ من الصعب جداً أن يفهم أحد الفارق الباهت بين ( غير ميت ) و ( حي )..عدا المصابين بهذا المرض النادر..ولعل السبب الرئيسي الذي جعل هؤلاء الأطباء يصفون المصاب بداء ( القطرب ) بهذا الوصف الغريب هو عزلة المريض عن المجتمع –كما ذكرنا سابقاً- و ابتعاده التام عن أشعة الشمس التي لا يستطيع تحملها..وحياته الإجبارية في الظلام..وذلك الشحوب الشديد الذي يجعله بالفعل أقرب إلي عالم الموتى.
ومن المؤكد عزيزي القاري أنه عند مشاهدتك لأحد الأفلام التي تتحدث عن الرجل الذئب..فإنك ستتذكر ما قرأته عن هذا المرض الغريب..هذا المرض النادر الذي يجعل المصابين به يتحولون إلي ذئاب بشرية ..و إلي شاحبين.
منقول