الطب البديل والبحوث العلمية.

بقلم : د.أكمل عبدالحكيم.
=============
* اصدرت مؤخراً مجموعة من الباحثين في المؤسسة العلمية الشهيرة "كنجـز كولج" (kings College),ان دراساتها اثبتت أن العديد من الوصفات الطبية الشعبية المنتقاة من مختلف بقاع العالم لها خواص علاجية يمكن ان تفيد في علاج الكثير من الأمراض مثل داء السكري والأمراض السرطانية.هذه النتيجة تم التوصل اليها من خلال فحوصات معملية وملاحظات علمية,أكدت جميعها ان الكثير من تلك الوصفات قادرة فعلا على تحقيق فوائد علاجية فى حالات مرضية مختلفة.وان كان المتخصصون فى مجال الطب البديل أشاروا الى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات والبحوث قبل الوصول الى نتيجة قطعية حول ما يمكن أن يضيفه الطب الشعبي للصراع التاريخي بين الإنسان والمرض من خلال دمج أساليبه التقليدية في الطب الحديث .

* وقبل ان نستطرد فى عرض الإحتمالات التى يمكن أن يستخدم فيها الطب البديل أو الطب الشعبي,والآمال التى اصبحت تتزايد حول ما يمكن أن يحققه للأطباء والمرضى,يجب ان نقف قليلا عند تعريف الطب البديل والطب الشعبي وغيرهما من المصطلحات التى شاع استعمالها مؤخراً هذا الهدف الرامي إلى تعريف مثل تلك المصطلحات ليس بالمهمة السهلة بسبب تعدد أنواع " العلاجات " ( Therapies ) واختلاف الفلسفات الصـحية, والتى اصبحت جميعها تدرج تحت عنوان الطب البديل .فحاليا توجد خمسة انواع رئيسية من العلاجات الشـائع استخدامها والتى تقع جميعها ضمن العنـوان الرئيسي,وهي Acupuncture - Osteopathy - Chiropractic - Homeopathy and Herbal Medicine وبخـلاف النـوع الأول ( Acupuncture ) اى الوخز بالإبر والنوع الأخـير ( Herbal Medicine ) اى التداوي بالأعشاب .لاتوجد ترجمة مقابلة في اللغة العربية للأنواع الأخرى على حد علمي على الأقل.ويزداد الموقف تعقيداً إذا ما اضفنا انواع العلاجات الأخرى الأقل انتشارا واستخداما وان كانت لا زالت تندرج تحت أنواع الطب البديل,مثل ( Naturopathy ) والطب الغذائي ( Nutrition Medicine ) والعلاج بالروائح ( Aromatherapy ) والتدليك أو المساج ( Message ) ويمكن ان نضيف ايضا هنا العلاج بالبلورات " Crystal healing " وطب الطاقة " Energy Medicien " واحيانا تقسم علاجات الطب البديل باعتبارها جزاء من نظام صحي طبي متكامل مستعار من ثقافات وحضارات أخرى مثل الطب الصيني التقليدي " Treaditional Chinese Medicine " والطب التبتي - نسبة الى سكان هضبة التبت - " Tibetan Medicine " او الطب ارفدي " Ayurvedic Medicine " والمستعار من الهند .ومرة اخرى وقبل ان نستطرد هنا . يجب ان ننبه القارىء الى ان ذكرنا لتلك الانواع لايعني انها جميعا قد تأكدت فائدة استعمالها تماما وان بعضها قد لايعدوا كونه وهما انسانيا . هذا الوضع يجعل من الصعوبة بمكان ان نضع حدودا وتعريفا كاملا لتلك الانواع من الطب رغم وجود العديد من الكتب والموسوعات التي تحاول تجميع وتصنيف جميع انواع العلاجات المتاحة في هذا المجال . ولكن بوجه عام يمكن ان نعتبر ان مصطلح الطب الحديث " Modern Medicine / Orthodox Medicine" هو الطب الذي يدرس في كليات الطب بالجامعات الرسمية .اما الطب البديل " Alternative Medicien " او الطب المكمل " Complimentary Medicien " او الطب الشعبي التقليدي " Traditional Medicien " فهي جميعا انواع من العلاج لاتدرس لطلاب الطب في الكليات الحديثة . وهذا التصنيف سيثير غضب الكثرين وانتقاداتهم اللاذعة لانه بالفعل لايعتبر تصنيفا علميا دقيقا . والمشكلة هنا ان الطب الحديث تعود جذوره الى انواع الطب السالف ذكرها ويعتمد حاليا في كثير من ممارساته على ممارسات انواع الطب تلك . فعلى سبيل المثال اصبح الكثير من الاطباء يعتمدون على الوخز بالابر الصينية . كوسيلة علاجية معتمدة ومعترف بها لعلاج الكثير من الامراض . مثل الروماتيزم والسمنة وتخفيف الآلآم . واصبح الكثير من كليات الطب المشهورة والمرموقة عالميا , تدرس الوخز بالابر الصينية لطلابها مع ان هذا النوع من العلاج ينتمي في الاساس الى الطب الصيني التقليدي . ويزداد الموقف تعقيدا
بسبب اعتماد الكثرين من ممارسي الطب البديل / المكمل / التقليدي / الشعبي مؤخرا على الكثير من علوم واساسيات الطب الحديث . فلم يعد من المستغرب حاليا ان يطلب ممارس الطب الشعبي مثلا من المريض . أن يجري تحليل دم يوضح مستوى انزيمات محددة لتقدير كفاءة الكبد على تأدية وظائفه , قبل ان يحدد للمريض أي نوع أوخلطة من الاعشاب تناسبه لعلاج مرضه . دون ان تؤثر سلبا على كبده .

* هذا الوضع دفع البعض - وليس لدي النية لارباك القارىء - الى المطالبة بخلق نوع جديد من الطب . يمكن ان نطلق عليه الطب الشامل او المتكامل " Integrated Medicien " بهدف دمج ممارسات الطب الحديث مع ممارسات الطب البديل / المكمل / التقليدي / الشعبي . هذا الهدف يرجى منه علاج المريض وفق اساسيات وعلوم الطب الحديث دون تجاهل او استعلاء على الممارسات والفوائد التي يمكن ان تجنى من انواع الطب الاخرى . ويستخدم الداعون لهذا المفهوم المثل الانجليزي الشهير والقائل انه لا يجب رمي الطفل مع مياه الحمام . "Don`t throw the baby with the bath water " وهذا المثل يستخدم للدلالة على المواقف التي يختلط فيها ماهو ذو قيمة " الطفل " هنا بمالاقيمة له " مياه الاستحمام " . فانواع الطب الاخرى تحمل في طياتها الكثير من الدرر الثمينة . التي يجب علينا اكتشافها وفصلها عن الكثير من الدجل والشعوذة والحمق العلمي احيانا . فمثلا من درر الطب التقليدي التي اصبحت بالفعل من ممارسات الطب الحديث . فلسفة علاج المريض من منطلق شمولي يأخذ في الاعتبار نمط حياته اليومية والبيئة المحيطة به وغذائه وطعامه بالاضافة الى حالته العقلية والنفسية والروحية , ولذا يهدف التشخيص في الطب التقليدي الى الوصول الى جذور المشكلة الصحية التي يعاني منها المريض , من خلال دراسة وتحليل الظروف السابقة الذكر . بينما يهدف العلاج الى تصحيح الاخطاء وعلاج المشكلات الصادرة عن تلك الظروف بدلا من الاقتصار على مواجهة العلامات والاعراض بشكل مباشر . ويروج الطب التقليدي لفكرة الوقاية . وربما بشكل اكبر من الطب الحديث حاليا . من خلال تصحيح الاوضاع المختلفة في الظروف البيئية المحيطة بالشخص وفي جوانب حياته العقلية والنفسية والروحية . والى ان يتم تحقيق هذا الهدف . علينا ان نحذر القارىء من المدعين والنصابين الذين امتلاءت بهم القنوات الفضائية العربية - وهى كثيرة - فقد اصبح من الصعب ان تقلب حاليا قنوات التلفزيون دون ان يخرج عليك برنامج يستضيف " خبيرا في الطب البديل " يطلق نصائحه الصحية يمينا ويسارا وهو مايطرح سؤالا عن مدى المسئولية القانونية والاخلاقية التي تقع تحت طائلتها تلك القنوات ؟ وخصوصا ان تلك النصائح لايوجد مايؤيدها من دراسات وبحوث ولم تخضع لاي مراجعة فيما يعرف بمراجعة الزملا ء" peer review " هذه التصرفات واستغلال بعض الاشخاص لمخاوف الكثيرين واحيانا يأسهم من الطب الحديث في امكانية تحقيقه الشفاء لهم من عللهم وامراضهم . نجحت في زيادة الشكوك حول مصداقية هذا الطب الحديث عليه فان الامر يستوجب اعادة النظر بعقلانية في كل مايدور في هذا المجال والتوصل الى ادماج حقيقي بين تلك الانواع من الطب لخدمة الانسان الذي هو في الاساس هدف كل تلك الانواع من الطب العلاجي .


منقوووووول