القانون المفقود في الطب وعلاج الجذور الحرة.The missing law in medicin
اكتشاف السبب الحقيقي في إصابة الإنسان والحيوان بجميع أنواع الأمراض ومؤسس جذورالمرض الحرة في جسم الانسان ( Dragon Virus ) وهو. ذو طاقة حارة شديدة. ليدمر كل النظريات المضللة والأسباب الكاذبة المنتشرة عالميا حول أسباب الأمراض المختلفة.
وفيه مطلبان: المطلب الأول: المباشرة فيما دون الفرج. المطلب الثاني: استعمال الأشياء الواقية أثناء المباشرة.
المطلب الأول: المباشرة فيما دون الفرج إذا حرص كل من الرجل والمرأة وخاصة إذا كان أحدهما مصاباً بمرض معدي والآخر سليم على إتمام الزواج، فلابد من الإشارة إلى بعض التوجيهات التي ترتبط بهذا الزواج بعد إتمامه، ومن ذلك الأخذ بالأسباب التي تكون معينةً بإذن الله على عدم نقل العدوى من المصاب إلى السليم.
وإذا أراد أحد الزوجين التمتع بالآخر فيما دون الوطء فهل يعد ذلك خطراً على السليم منهما إذا كان ذلك عن طريق التقبيل، والملامسة، وانتقال اللعاب وغيره؟ في هذه الحالة لابد من مراجعة جهة الاختصاص من الناحية الطبية لينظروا هل هذه الوسائل تعتبر ناقلة للعدوى أم لا.
وقد افترق الأطباء في هذه المسألة إلى ثلاث فرق: فالفريق الأول: يرى أن المعايشة والمخالطة حتى الحميمة منها لا تنقل المرض، وإنما ينتقل فقط بالوسائل المحصورة التي أوضحوها، ومنها: الاتصال الجنسي، من زنا ولواط، وعن طريق نقل الدم بواسطة الإبر والمحاقن، وأثناء نقل الأعضاء، والحجامة، والحلاقة، وغير ذلك من وسائل نقل الدم.
وأيضاً عن طريق استعمال الإبر المخدرة التي استعملها مريض بمرض معدي وهي ملوثة بفيروسات الأمراض المعدية، وأيضاً انتقال المرض عن طريق الجنين الذي في بطن الأم عند حملها به أو حال الولادة أو الرضاعة.
وأما حصول القبلة والملامسة فلا ينتقل المرض بها لأن وجوده في اللعاب ضئيل جداً. جاء في كتاب قصة الإيدز: (لا ينتقل فيروس الإيدز عن طريق اللعاب والعرق والدموع أو البول أو رذاذ التنفس أو المصافحة أو ماء حمام السباحة، أو الحمامات العامة، أو المراحيض، أو الغذاء، أو ماء الشرب)([68]).
والفريق الثاني: يرى أن هناك ظناً بإمكان انتقال الأمراض المعدية عن طريق اللعاب حيث أن حمَّة الخلية اللمفية المغذية ( T ) البشرية تتواجد أحياناً في اللعاب، وقد استطاع الباحثون أن يستخلصوها من لعاب المرضى المصابين بالإيدز، في دوره البادري([69])، ومن الأشخاص المحتكين بنفس المرض، وهذا مما يؤيد الظن بأن عوامل الفيروسات المعدية تستطيع الانتقال عن طريق التقبيل أو بواسطة الرذاذ الذي يتطاير من الفم في الهواء عند العطاس والسعال([70]).
وأما الفريق الثالث: فيقول (أما العلاقة الجنسية غير المحمية عن طريق الفم فإنها تحمل بعض مخاطر الإصابة ببعض فيروس عوز المناعة البشرية، غير أن المعطيات المتوفرة حتى الآن محدودة جداً، ولا تسمح بتحديد صحيح لدرجة المخاطر التي قد تتأتى عن هذا النوع من العلاقة الجنسية... وإن اللعاب يحتوي على القليل جداً من فيروس عوز المناعة البشرية، ولم يظهر حتى الآن أن التقبيل يسبب انتقال المرض، ومع ذلك توجد مخاطر من الزاوية النظرية بانتقال فيروس الإيدز أثناء قبلة عميقة أو أثناء قبلة رطبة ـ والتي يستخدم فيها اللسان ـ إذا كان الدم النازف من اللثة أو قروح في الفم موجوداً في اللعاب)([71]).
ويرى بعضهم: أن المرض انتقل إلى عشرات الأطفال الأبرياء الذين أصيب أحد أبويهم بالإيدز، وكانت إصابة هؤلاء الأطفال نتيجة الاتصال الوثيق بين الأم ووليدها([72]).
والخلاصة من الناحية الطبية: أن المرض لا ينتقل مباشرة دون الفرج والقبلة ونحوها، إلا أن هناك ظناً باحتمال انتقال المرض بذلك، يؤيده ما توصل إليه الباحثون من استخلاص الفيروس من اللعاب([73]).
المطلب الثاني: استعمال الأشياء الواقية أثناء المباشرة تعريف الواقي: هو عبارة عن غشاء بلاستيكي مطاطي معقم، يوضع على الذكر لمنع ملامسة إفرازات الطرفين([74]).
والغرض من استعماله تحقيق استمرارية الحياة الزوجية بدون اضطرابات جسدية، والحيلولة دون انتقال المرض إلى السليم من الزوجين إلى حد كبير.
الرأي الطبي في استعمال العازل، أو الواقي: من المعلوم طبياً أن الاتصال الجنسي يعتبر أكثر الوسائل المفضية لنقل الأمراض المعدية من المريض إلى السليم، وإذا حصل اتصال جنسي مباشر بين مريض بمرض معدي وشخص سليم ترتب على ذلك خطر كبير على الطرف السليم، ويتسبب ذلك في نقل المرض إليه. قال الدكتور محمد صادق زلزله: (على المرأة التي يحمل زوجها حمة الإيدز أن تمتنع عن الاتصال الجنسي معه، مما يهددها بالإصابة بالمرض قبل إصابة جنينها الذي سيخلق بعد حين) ([75]).
وذكر في موضع آخر: (لأن السوائل المحيطة بالمني تحمل الفيروس، فإذا عاشر أحد الزوجين الآخر وهو مصاب أصيب الآخر ـ غالباً ـ فزوجات المصابين أصيب عدد كبير منهن) ([76]).
وجاء في بحث معلومات أساسية حول مرض الإيدز: (إن احتمالات انتقالات العدوى من الزوج المريض إلى الزوجة السليمة واردة، ولاسيما إذا كان المريض يرفض استعمال العازل الذكري) ([77]).
والسؤال الوارد: ما نتيجة استعمال العازل أو الرفال؟ ([78])
والإجابة عن هذا السؤال كالآتي: (إن استعمال الرفال المضبوط يضعف احتمال الانتقال إلى احتمال ضئيل يعود إلى نوع الرفال ووقت الاستعمال له)([79]).
وينصح الأطباء إذا كان أحد الزوجين مصاباً بالابتعاد عن الاتصال الجنسي ما أمكن ذلك. فإن أصرا على الاتصال الجنسي، فيكون ذلك عن طريق استعمال العازل الذكري ـ الكبوت ـ والذي بدوره يمنع ملامسة الإفرازات الجنسية لكل من الطرفين، وبالتالي تخفف نسبة انتقال العدوى إلى السليم، لأنه قابل للتهتك في بعض الحالات، وهكذا فهو لا يكفل الحماية المطلقة من العدوى وإن كان يحققها بدرجة كبيرة([80]).
إن العازل أو الواقي يخفض احتمال انتقال المرض من المصاب إلى السليم بنسبة 7%. الفرق بين استخدام العازل وعدم استخدامه:
أولاً: إذا لم يتم استخدام العازل: فالأمر يختلف باختلاف نوع المصاب وأنواع العدوى: ولقد ثبت طبياً أن انتقال العدوى من الرجل المصاب إلى المرأة السليمة بنسبة واحد في الألف لكل اتصال جنسي، ومن المرأة المصابة إلى الرجل السليم بنسبة واحد في الألفين لكل اتصال جنسي.
وقد تزيد النسبة عن هذا الحد متى وجدت عوامل أخرى أوضحها الأطباء، مثل الإصابة بأمراض معدية أخرى، أو يكون الاتصال الجنسي خلال فترة الحيض أو النفاس عند المرأة، أو عند خروج دم أثناء العملية الجنسية، لأي سبب آخر مثل فض غشاء البكارة، أو الاغتصاب.
ثانياً: إذا تم استخدام العازل: إذا استعمل العازل بشكل دائم وصحيح، فالنسبة التي خرجت بها إحدى الدراسات التي شملت العلاقة المتزوجين بعد حوالي (15000) اتصال جنسي هي (صفر).
الرأي الفقهي في استعمال العازل أو الواقي: إذا نظرنا في واقع المصابين وجدنا أن النفس تنفر من أي مرض معدي، فكيف إذا تم انتقال هذه الأمراض عن طريق الاختلاط بصاحبها ومعايشته ومضاجعته والنوم معه ومعاشرته، ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل الحياة الزوجية تختلف اختلافاً كلياً عن الحياة البهيمية التي يعيشها أصحاب الشذوذ والأهواء.
فالزواج رابطة أسرية، وعاطفة فطرية تكمن في قلوب الزوجين، ومن أجل ما يراه أهل الاختصاص من أن وسائل نقل المرض محصورة فقد يختار الزوج السليم منهما البقاء مع المريض، ومع حلول هذه المصيبة ولاسيما إذا كانت الزوجة هي السليمة فهي تتوتر هلعاً من هذه الأمراض المستعصية والتي تسبب الخوف والاضطراب، وخوفاً من العنوسة المتأخرة، وتزداد حزناً على فلذات أكبادها الذين يهددهم ألم الفراق وحزن اليتم التربوي، ومع تلك الظروف، وهذا الواقع المرير فقد تفضل الزوجة السليمة البقاء مع اشتراط عدم الوقاع تحفظاً من أكبر الخطرين، ودرءًا لأعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما.
وبناء على هذا الرأي الطبي فهناك قولان لأهل العلم في تلك الحالة: القول الأول: أن المباشرة فيما دون الفرج أمر محرم، ويجوز للسليم طلب التفريق([81]) وقد استدلوا بقول الله تعالى:[وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]([82])، وهذه قاعدة عامة منع الله تعالى فيها الناس من إلقاء أنفسهم إلى الضرر والتهلكة. وقد جاء في تفسيرها: أنها في العدول عن الخير إلى ما هو أقل منه مما يفضي إلى الهلاك كترك الإنفاق إلى الهلاك([83])، وهنا ما هو أعظم وهو ترك الخير إلى الشر، وترك الصحة إلى السقم.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إيقاع الضرر على النفس أو الغير، في قوله: (لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ )([84]). وهذا الأمر بلا شك من أعظم الضرر لأنه يعود بمفسدة كبيرة على النفس.
وهذا موقف من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الأخذ بالأسباب دفعاً للضرر جائز من الناحية الشرعية، فعندما جاء وفد ثقيف يبايع النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم رجل مجذوم أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ)([85]). ومعلوم أن الأمراض المعدية وخاصة الإيدز يحتاج معها إلى الابتعاد عمن هو مصاب به دفعاً للضرر الحاصل من الاختلاط به، وعلى ذلك فلا تجوز المعاشرة حتى ولو كانت فيما دون الفرج.
القول الثاني: أن المباشرة فيما دون الفرج جائزة، ولكن مع استخدام كافة الاحتياطات، كالواقي الذكري ـ الكبوت ـ أو العازل، حيث أجاز هؤلاء المعاشرة الزوجية والمساس حال الرضا([86]).
واستدلوا بأن الأصل هو بقاء الزوجية وعدم التفريق، فمتى ثبتت لا يجوز التفريق، إلا بدليل من كتاب أو سنة وإلا فلا.
قال ابن حزم رحمه الله: (لا ينفسخ النكاح بعد صحته بجذام حادث ولا برص كذلك، ولا بجنون كذلك، ولا بأن يجد بها شيئاً من هذه العيوب، ولا بأن تجده هي كذلك) ([87]). وأيضاً فإن حصول المرض بالمباشرة فيما دون الفرج مشكوك فيه، ولا يزول اليقين بالشك([88])، وتبعاً للأصل، والأصل بقاء ما كان على ما كان([89]). وأيضاً أن التدابير الوقائية يجب أن تقتصر على طرق انتقال المرض، وما دامت هذه المباشرة ليست ناقلة فما الداعي لحظرها([90]).
ومعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها([91])، وهذه قاعدة شرعية تحكم في مثل هذا المقام وغيره، وهذا هو الأصل. وما دام أن المرض لا ينتقل بهذا الطريق فما الداعي للمنع من ذلك. وإذا كان الأمر كذلك فإن حرمان الزوج من زوجه يعد عقاباً مادياً ونفسياً علاوة على الآلام النفسية والصحية التي يعاني منها الشيء الكثير، وقد صرخ بعض المصابين عندما طرد من عمله قائلاً: (إنك لا تعيش آلام الإيدز فقط، ولكن تعيش منبوذاً في المجتمع، وحتى إذا مت فإنهم يرفضون تجهيز جثتك ولا شيء يجعلك تشعر بالتعاسة أكثر من هذا)([92]).
وأيضاً من العلماء من يرى الاستمرار في الحياة الزوجية، ويفهم من كلامه أنه يجيز الجماع ـ أيضاً ـ فالمباشرة دون الفرج من باب أولى.
جاء في بحث إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي من مرض الإيدز: (... وإن انتقلت العدوى كان الخيار لمن ابتلي بها بالتفريق أو الاستمرار، لكني أميل إلى ضرورة الاستمرار في الحياة الزوجية ومراعاة الجانب الإنساني حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً)([93]).
وعلى ذلك فالمتأمل في القولين السابقين يجد أن كلا منهما يستحق العمل به، والأصل هو احترام ميثاق النكاح والحياة الزوجية، لكن متى بقي الخطر واضحاً لدى الأطباء أو وجد احتمال مؤثر لانتقال المرض فإن المنع هو الصواب.
ومتى اتضح للمختصين ضعف احتمال انتقال المرض عن طريق اللعاب والمعاشرة الحميمة غير الاتصال الجنسي، فتجوز العشرة الزوجية، والمباشرة فيما دون الفرج بالضوابط التالية:
(1) أن يكون احتمال انتقال العدوى بها ضئيلاً جداً. (2) التزام الزوجين باستعمال كافة الاحتياطات التي يوصيهم بها الطبيب، ومنها استخدام العازل بكل انتظام ودقة. (3) الاستمرارية في استعمال العازل حتى مع طول المدة، وعدم التساهل في تركه، ولاسيما أن الحياة الزوجية الأصل فيها الدوام. فإذا لم تتتوفر هذه الضوابط فالأولى في ذلك المنع لأنه الأحوط نظراً لخطورة الأمراض المعدية وبخاصة مرض الإيدز. ومتى رأى الطبيب أن استعمال الواقي للزوجين عملي، وأنهما يحسنان استخدامه من جهة، ويعلمان خطورة تركه من جهة أخرى، واتضح للطبيب أن نسبة الإصابة ضئيلة جداً ففي هذه الحالة ينظر في حال الزوجين، فإن كانا شابين فهما أقرب إلى قوة الشهوة وعدم الانضباط، فإن الأولى منعهم من ذلك، حيث أن الشهوة ستطغى عليهما ـ غالباً ـ فيصاب السليم. وإن كان الزوجان أقرب إلى العقل والاتزان وكبر السن، فالصحيح الإذن في ذلك، لأنهم أكثر انضباطاً وأبعد عن قوة الشهوة المفضية إلى ترك استخدام العازل أو تهتكه حال الوطء.
حمل المرأة المصابة بالمرض المعدي الأسرة هي المجتمع الصغير الذي يولد فيه الصغير ويتربى فيه منذ نعومة أظفاره، وينشأ من أول عهده بالحياة في أحضانها، ينطبع بطابعها ويرى الأشياء بعينها، ويتعرف عليها عن طريق ميوله واتجاهاته وماله من إيحاء حين يستحسن ما يراه حسناً أو يستقبح ما يراه قبيحاً.
ولذلك أدرك علماء الاجتماع أن البيت هو الينبوع الأول الذي يمد الأمة بالرجال والنساء، وأنه إذا كان هذا الينبوع طيباً صافياً خالياً من الشوائب المفسدة، كان إمداده خيراً على الأمة، وزاداً لها من الأفراد الصالحين الطيبين الذين يصبحون في مجتمعها لبنات قوية، وحلقات تعاون، ودعاة فضيلة، ومصادر سعادة، وإذا كان هذا الينبوع مشوباً بالشوائب قائماً على الفوضى والإهمال فإن إمداده يكون شراً على الأمة، وخطراً على مقوماتها، ونكداً ووبالاً عليها، وصدق الله العظيم إذ يقول:[وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً]([94])، فإذا تم اختيار المرأة الصالحة الطيبة السليمة من الأمراض والأسقام خرجت الذرية طيبة ـ بإذن ربها ـ وانتفعت بها الأسرة والمجتمع، والعكس صحيح. ومن هنا يتبين لنا أهمية النسل للبشرية، فهي طريقها إلى الدوام والتكاثر، فإذا ما وفقت أسرة في الإنجاب، وتأخر عنها لأسباب معينة ازداد الحرج بازدياد الزمن وتقدمه، ومن هنا كان لابد من التوجيه أن منع الحمل لابد أن يحصر في نطاق ضيق، وظروف خاصة؛ رغبة في تكاثر النسل، ورفعاً للحرج عن الزوجين، لكن متى كان المولود مآله العناء والتعب في حياته، وفي مستقبله فيما يظهر لأهل الاختصاص، كان لابد من النظر إلى المصلحة الراجحة لوجوده من عدمه، وهنا نشير إلى أهمية الرأي الطبي من هذا الحمل حتى يكون الرأي الشرعي لهذا الحمل مبنياً على الحقيقة الواضحة التي تمكنه من البت في هذا الأمر وإصدار الحكم الشرعي المناسب له.
الرأي الطبي في حمل الزوجة المصابة:
لقد قرر الأطباء أن الحمل هو أحد أسباب انتقال المرض المعدي من الأم إلى الجنين. يقول كل من الدكتور محمد البار، والدكتور محمد صافي: (بالإضافة إلى الأطفال الذين يصابون بمرض الإيدز نتيجة نقل الدم أو محتوياته بسبب مرض الهيموفيليا (الناعورية) فإن هناك عدداً من الأطفال يصابون بمرض الإيدز نتيجة انتقال الفيروس من أحد الأبوين إلى الطفل) ([95]).
وقالا أيضاً: (وينتقل الفيروس ـ أيضاً ـ إلى الأجنة فيصيبها، وهناك عدة نظريات في كيفية وصول الفيروس إلى الأجنة؛ وهي كالتالي: (1) الحيوان المنوي المصاب، وتحدث الإصابة في مرحلة مبكرة، ويعزى حدوث بعض حالات الإجهاض إلى هذا السبب. (2) من دم الأم إلى دم الجنين عبر المشيمة ومنه إلى الحبل السري فالجنين. (3) أثناء الولادة ونزول الولد من الرحم والمهبل مصاب. (4) بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بينه وبين الأم أو الأب المصاب قبل ظهور الأعراض غالباً. (5) احتمال حدوث ذلك في أثناء التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب وقد حدثت بالفعل عدة حالات في استراليا([96]). وقال الدكتور محمد صادق زلزلة: (وتكون الحامل أكثر تعرضاً للعدوى؛ لأن التغيرات التي تحدث في جهاز المناعة والتي ترافق الحمل تتيح لِحُمة المرض فرصة كبيرة للعدوى) ([97]). وذكر بعض الأطباء أنه باستعمال أحدث طريقة لكشف جزئيات الفيروس على أن نسبة إصابة الجنين ـ وهو داخل الرحم بالعدوى هي ـ نسبة ضئيلة لا تتجاوز عشرة بالمائة، وتحدث معظم حالات العدوى للجنين في أثناء الولادة من جراء تلوث الجنين بالمفرزات التناسلية المعدية بمعدل ثلاثين بالمائة، ولا تنتقل العدوى من الأم إلى الجنين في ستين بالمائة من الحالات([98]). وقال بعضهم: (أن نسبة 10% أثناء الحمل ومن 20 ـ 30% أثناء الولادة؛ لأن الإفرازات ناقلة للجرثوم([99]).
وتبين مما سبق أن إصابة الأطفال من الأم المصابة يكون بواسطة الحمل والولادة، وأن الحمل في بعض الأحيان يؤدي إلى وفاة الأم المصابة، لكنه ليس سبباً مباشراً لوفاتها إلا أنه يؤدي إلى زيادة تقدم حالة المريضة في المرض فتتوفى بسبب ذلك، فتترك خلفها أطفالاً قد يكونون مصابين بنفس المرض.
مراحل حمل الأم المصابة والعلاج الفعال: عن طريق المتابعة الطبية من جهة أهل الاختصاص تبين لهم أن للأم مع الحمل والعلاج حالات ثلاثاً:
الأولى: أن تحمل وهي مصابة بالمرض المعدي، ثم تلد ولادة طبيعية، ثم تقوم بإرضاع مولودها، ولا تستخدم العلاج المضاد للفيروس، في هذه الحالة بواسطة الحمل تكون نسبة الإصابة 13ـ 45% إذا كان ذلك بولادة طبيعية، ورضاع بواسطة ثديها. الثانية: أن تحمل الأم المصابة، ولا تستخدم العلاج، ثم تضع بعملية قيصرية، تنخفض نسبة افصابة إلى نصف النسبة السابقة تقريباً. الثالثة: أن تحمل الأم المصابة، وتستخدم العلاج الفعال، عندها تصبح كمية الفيروس في الدم أقل من الحد الأدنى لجهاز التحليل، وتكون أقل من 2%، سواء كانت الولادة طبيعية أو قيصرية مع منع الرضاع منها، وقيل: إلى نسبة 8% أو أقل، وهذا واضح أنه يخفف نسبة إصابة الجنين.
الرأي الشرعي في حمل الزوجة المصابة: ينبغي توجيه النصح إلى المرأة المصابة بمرض معدي ـ أيًّا كان نوعه ـ بتجنب الحمل والإنجاب، وأن تتخذ الوسائل والاحتياطات اللازمة التي تمنعها، لا لقطع النسل، ولا لمنعها من حنان الأم ورغبتها في الطفل، ولكن لما يترتب على الحمل من مشكلات ومفاسد([100])، ومنها:
أولاً: أن فيروس الإيدز ـ أو غيره من الأمراض المعدية الخطرة ـ ينتقل من الأم المصابة إلى جنينها، وذلك عبر الوسائل التي تمت الإشارة إليها في الرأي الطبي، وهي:
(1) بواسطة المشيمة أثناء الحمل، وتبلغ نسبة ذلك 10% تقريباً. (2) عند الولادة ونسبة الإصابة به وما بعده 30% تقريباً. (3) أثناء الرضاع أو المخالطة([101]). ثانياً: أن المرأة ضعيفة الخلق، والحمل يزيدها وهناً على وهن: [حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ]([102])، هذا وهي معافاة سليمة، فكيف وقد أصابها مرض خطير كهذا، فسوف تلم بها العاهات من كل جانب، ولذلك كان لزاماً عليها تجنب الحمل مع هذا الداء([103]). ثالثاً: سيجتمع عليها بؤسان، بؤس نفسها، وبؤس طفلها المصاب، أو حتى على فرض سلامته فسيكون عليها عناء ونكدا([104]). رابعاً: عدم قدرتها على رعاية طفلها إذا اشتد بها المرض فلا تستطيع أن تقوم بشؤونه([105]). خامساً: أن إصابة الحمل أمر يغلب على الظن حصوله وليس وهماً متوقعاً، والأحكام مبناها على غلبة الظن، وكثير من مسائل الدين كذلك إذ اليقين عزيز([106]). سادساً: جناية الأم على ولدها في تحميله مرضاً عضالاً يعيش بعده في شقاء وحزن. سابعاً: يكلف المريض بالمرض المعدي ـ وخاصة مرض الإيدز ـ الكثير من المال والوقت. ثامناً: قواعد الشريعة جاءت بدفع المفاسد، وأنه متى اجتمع في الشيء مفسدة ومصلحة فتكافأتا أو كانت المفسدة أعظم ـ كما هو الحال في حمل الأم بهذا المرض ـ فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح([107]). تاسعاً: أن الحمل من جملة العوامل التي تقصر مرحلة كمون المرض، وتسارع بظهوره وهذا ـ لاشك ـ أنه أمر عضال يؤدي إلى تدهور صحته([108]). عاشراً: الآثار المترتبة وهي وجود الكثير من الأطفال المصابين الذين فقدوا أمهاتهم، فكون المرأة تحمل ثم يصبح طفلها إما مصاباً أو يتيماً، أو كليهما فهذا مما يؤدي إلى ضياع الأولاد.
وعلى الرغم من قوة هذا الرأي ـ قبل الحصول على الدواء لغالب الأمراض المعدية ـ إلا أن هناك عوامل جديدة ظهرت لمكافحة هذه الأمراض وهي وجود العلاج الفعال الذي يخفض نسبة الإصابة إلى أقل من 8%، بل إلى 12%، كما سبقت الإشارة إليه في الرأي الطبي. وعلى ذلك فما دام أهل الاختصاص من الأطباء توصلوا إلى هذه النتيجة، وهي مناسبة جداً، وانخفض معها معدل احتمال إصابة الجنين إلى نسبة ضئيلة لذلك فالذي أراه في هذه المسألة جواز الحمل للمرأة المصابة مع وجود الضوابط التالية:
(1) استخدام المرأة المصابة ـ التي ترغب في الحمل ـ العلاج بانتظام. (2) المتابعة من قبل الطبيب المختص في مدى انتظامها باستخدام العلاج، ومدى استجابة الفيروس للعلاج أيضاً. (3) أن يكون المرض لدى المرأة في مراحله الأولى،أو يأذن الطبيب وينصح بالحمل في تلك المرحلة. (4) أن تتابع مع الطبيب جميع التوصيات الموجهة إليها متى كانت راغبة في الحمل. (5) غلبة الظن في عدم إصابة الجنين بالمرض. وإذا كانت الزوجة سليمة والزوج مصاباً، واستداما العشرة معاً، وأرادا حصول الحمل، فللأطباء رأي في ذلك، حتى ينجو الطفل من الإصابة، وذلك بفصل الحيوانات المنوية من السائل المنوي بالتقويم بطرق خاصة. فيأخذون من الزوج السائل المنوي، ويتم فصل الحيوانات المنوية ثم تعاد إلى المرأة السليمة ويكون الطفل ـ بإذن الله ـ سليماً.
وقد وجدت مائتا حالة حمل بهذه الطريقة وقد سلموا من الإصابة، ولم تثبت إصابتهم، فلا الأم أصيبت بالعدوى ولا الجنين؛ لأن الحيوان المنوي لا يدخله الفيروس، فكانت طريقة آمنة مأمونة المخاطر لأن الفيروس موجود بالسائل المنوي لا الحيوان ذاته([109]).
المبحث الخامس: هل يجوز إجهاض حمل المرأة المصابة بالمرض المعدي
وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً. المطلب الثاني: إجهاض الحمل بعد الأربعين وقبل نفخ الروح فيه. المطلب الثالث: إجهاض الحمل بعد نفخ الروح فيه.
المطلب الأول: إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً تعريف الإجهاض: لغةً: يطلق الإجهاض في اللغة على صورتين: إلقاء الحمل ناقص الخلق، أو ناقص المدة، سواء من المرأة أو غيرها. والإطلاق اللغوي يصدق سواء كان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائياً([110]).
واصطلاحاً:لا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة إجهاض عن هذا المعنى([111]) وكثيراً ما يعبرون عن الإجهاض بمرادفاته كالإسقاط، والإلقاء، والطرح، والإملاص. ويعرف الإجهاض من الوجهة الطبية بأنه: (سقط الحمل من داخل الرحم قبل أن يصبح قادراً على الحياة بذاته، أي قبل الأسبوع الـ 22، أو بلوغه وزن ـ 500جرام ـ أو أكثر). وعرفه الدكتور محمد علي البار بأنه: (خروج محتويات الحمل قبل (28 أسبوعاً) تحسب من آخر حيضة حاضتها المرأة([112]).
وعرّفه الدكتور إليوت فيليب بأنه: (نهاية الحمل قبل الأسبوع الثامن والعشرين من بداية الحمل)([113])
نعمة الأولاد: لقد امتن الله على عباده بنعمة الذرية، وجعلها من أجل النعم وأعظمها، قال تعالى:[الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا]([114])، فبالذرية تدوم الحياة على هذه البسيطة، فهم الذين يعمرون الأرض ويستخلفونها بعد آبائهم، وهم القوة الفعالة في الحياة، فهم مداد الخير، وقوة المستقبل، قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)([115]).
ولقد حرص الإسلام حرصاً شديداً على إيجاد النسل وتكثيره، والإرشاد إلى تربيته تربية سليمة صحيحة تقوم على حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وتقوم على محبة الخير لمن حوله، قال صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([116]).
وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإيجاد هذه الذرية الطيبة التي ينتفع بها الإسلام والمسلمون.
وإن من الأمور التي طرأت في الأزمنة المتأخرة ظهور حالات الإجهاض التي كثرت بشدة، وانتشر أثرها على المجتمعات، وخاصة المجتمعات الغربية لما يعيشون فيه من الانحلال الأخلاقي، وتشتت الأسر، والبعد عن القيم الفاضلة لولوجهم في الأمور المخالفة للفطرة الإنسانية من زنا ولواط وغير ذلك، فانتشرت الأمراض المعدية بشكل هائل، مما أثر ذلك على النساء وما يحملن في بطونهن، لذلك نظر العالم إلى هذه الوسيلة، هل هي وسيلة صحية، أم غير صحية، أما من الناحية الشرعية فللفقهاء آراء توضح حكم هذا العمل. أنواع الإجهاض: قبل معرفة آراء الفقهاء في حكم الإجهاض لمن بها مرض معدي، لابد من معرفة أنواعه المنتشرة بين الناس،وبين الأطباء، وبين الفقهاء، حيث قسمه كل فريق إلى تقسيمات متعددة بحسب معايير مختلفة.
قسَّم الناس عموماً الإجهاض إلى ثلاثة أنواع وهي: العفوي، والعلاجي، والاجتماعي (الجنائي)، وهذا التقسيم بحسب دوافعه ومبرراته التي يلجأ إليها الناس.
الأول: الإجهاض العفوي (التلقائي ـ الذاتي): وهو الذي يحصل بغير إرادة المرأة، حيث يعمل الرحم على طرد جنين لا يمكن أن تكتمل به عناصر الحياة، وقد يحدث بسبب خلل في جهاز المرأة التناسلي أو بسبب خطأ ارتكبته كحمل شيء ثقيل، أو توتر نفسي، أو شربها لدواء مضر بالحمل والجنين.. إلخ. وهذا يعتبر إجهاضاً طبيعياً حدث تلقائياً بدون أي تدخل خارجي.
الثاني: الإجهاض العلاجي: وهذا النوع من الإجهاض الذي يستدعي اللجوء إليه ضرورة طبية؛ (فهو الذي يقوم به الطبيب الموثوق في دينه وعلمه، أو يأمر به إنقاذاً لحياة الأم عندما تتعرض للخطر بسبب الحمل) ([117]).
الثالث: الإجهاض الاجتماعي (الجنائي أو الإجرامي): وهو الذي يتعمد فيه إنهاء الحمل بطريقة غير شرعية، حيث يجريه أشخاص غير متخصصين، عن طريق أسباب معينة للتخلص من الجنين، وقد يجرى كذلك في عيادات طبية بإشراف أطباء متخصصين تحت ذريعة إنقاد فتيات قصر أو نساء من حمل غير مرغوب فيه مقابل مبالغ مالية خيالية.
وبعد هذا التقديم نبين حكم إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً:
في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح اتجاهات مختلفة وأقوال متعددة، حتى في المذهب الواحد: فمنهم من قال بالإباحة مطلقاً بعذر أو بغير عذر: قال به بعض الحنفية، فقد ذكروا أنه يباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يتخلق شيء منه، والمراد بالتخلق في عبارتهم تلك نفخ الروح([118]). وقال به بعض المالكية فيما قبل الأربعين يوماً([119]). وقال به بعض الشافعية قبل الأربعين أيضاً.
ومن الشافعية من قال: إذا كانت النطفة من زنى فقد يتخيل الجواز قبل نفخ الروح([120]). وقال به بعض الحنابلة في أول مراحل الحمل، إذ أجازوا للمرأة شرب الدواء المباح لإلقاء نطفة لا علقة، قالوا: وما دامت لم تحله الروح فلا يبعث،ويؤخذ من ذلك أنه لا يحرم إسقاطه([121]).
ومنهم من قال بالإباحة لعذر فقط: وهو مذهب الحنفية، فقد نقل ابن عابدين عن بعضهم عدم الحل لغير عذر، إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمن لأنه أصل الصيد. فلما كان يؤاخذ بالجزاء فلا اقل من أن يلحقها ـ من أجهضت نفسها ـ إثم هنا إذ أسقطت بغير عذر. وقال بعضهم: إن إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضرورة([122])، ومن قال من المالكية والشافعية والحنابلة بالإباحة دون تقييد بالعذر فإنه يبيحه هنا بالأولى. وقال بعض الشافعية: أن المرأة لو دعتها ضرورة لشرب دواء مباح يترتب عليه الإجهاض فينبغي أنها لا تضمن بسببه([123]).
ومنهم من قال بالكراهة مطلقاً: وهو ما قال به بعض فقهاء الحنفية، حيث قالوا: يكره الإلقاء قبل مضي زمن تنفخ فيه الروح، لأن الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة، كما في بيضة صيد الحرم([124]).
وهو رأي عند المالكية فيما قبل الأربعين يوماً([125])، وقول عند الشافعية، قالوا: لا يقال في الإجهاض قبل نفخ الروح إنه خلاف الأولى، بل محتمل للتنزيه والتحريم. ويقوي التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة([126]).
ومنهم من قال بالتحريم: وهو المعتمد عند المالكية، حيث قالوا: لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً.
وقد نقل ابن رشد أن مالكاً قال: كل ما طرحته المرأة بجناية، من مضغة أو علقة، مما يعلم أنه ولد، ففيه الغرة([127])، وقال: واستحسن مالك الكفارة مع الغرة.
والقول بالتحريم هو الأوجه عند الشافعية، لأن النطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق، مهيّأة لنفخ الروح([128])، وهو مذهب الحنابلة مطلقاً كما ذكره ابن الجوزي، وهو ظاهر كلام ابن عقيل، وما يشعر به كلام ابن قدامة وغيره بعد مرحلة النطفة، إذ رتبوا الكفارة والغرة على من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً، وعلى الحامل إذا شربت دواء فألقت جنيناً([129]).
وقبل أن نبين الراجح في حكم الإجهاض قبل الأربعين، ننظر إلى الرأي الطبي في هذه المسألة:
فالذي يراه أهل التخصص أنه: (1) ثبت طبياً وجوب الإصابة في زمن مبكر أي زمن جواز الإجهاض شرعاً. (2) إذا كان ذلك لمصلحة الأم، لما يلحقه الحمل بها من الأضرار فيكون مسوغاً أكبر للإجهاض، حفاظاً على الأصل. ومن هنا يتضح أن الفيروس من المرض المعدي ينشأ من بداية الحمل ولحظاته الأولى أو أثنائه أو عند الولادة، فالحمل أحد تلك الطرق للإصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ وبناء على الخطر الكبير المترتب من هذا المرض أو غيره مما هو معروف فلا شك أن نجاة الإنسان منه تعد فوزاً دنيوياً عظيماً، فهل يا ترى يسوغ الفرار من هذا المرض بناءً على الاحتمال الوارد أم أن مجرد الاحتمال لا يجدي.
جاء في كتاب (معضلة الإيدز الكبرى): إن من الأفضل للحامل التي تحمل حمَّة الإيدز في جسمها أن تجري لها عملية الإجهاض([130]).
بينما يرى رأي آخر: أن استعمال المرأة المصابة للأدوية المقررة من قبل الطبيب المختص أثناء الحمل يخفف نسبة احتمال الإصابة إلى أقل من 8%، وعليه فهو يرجح عدم الإجهاض([131]).
والظاهر مما سبق أن أرجح الأقوال هو من ذهب إلى تحريم الإجهاض، ولو كان قبل نفخ الروح، ما لم يكن ذلك لعذر شرعي، وذلك لما يلي: أن النطفة في أول مراحل التخلق، يصدق عليها اسم الجنين، فما سمي الجنين جنيناً إلا لاستتاره في الرحم([132])، وما دام الأمر كذلك فقد جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهرة اعتبارها واحترامها والإشارة إليها، ومن ذلك قوله تعالى:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ]([133])، وقوله تعالى:[وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ]([134]) قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (هذا الضمير عائد على جنس الإنسان كما قال في الآية الأخرى [وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ]([135]). وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ..)([136]).
قال بعض العلماء: (إن طور النطفة هو طور التقدير، إذ بعد أن تتحرك النطفة المؤنثة في بطن المرأة ليجمع الخلق فإن المشج([137])، يقع في حوالي اليوم الرابع عشر، وتستقر في الرحم بعد سبعة أيام أخرى، وتصبح علقة بعد تسعة عشر يوماً أخرى، أي بعد أربعين يوماً من أول يوم من آخر طمث([138]).
ولذلك فإن لهذه النطفة حرمة، فلا يجوز إخراجها أو إفسادها، وأيضاً في مرحلة العلقة أو المضغة وإن لم ينفخ فيها الروح، إلا لوجود عذر شرعي يقتضي ذلك، ومن فعل ذلك فهو آثم سواءٌ كان الطبيب أم غيره، مأذون له أم لا.
وقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، فصلت فيها ضوابط الإجهاض في الطور الأول من الحمل، وهي مدة الأربعين يوماً،فقالوا: (إن كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع متوقع، جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو الخوف من العجز عن تكاليف معيشتهم أو تعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد فغير جائز) ([139]).
المطلب الثاني: إجهاض الحمل بعد الأربعين وقبل نفخ الروح فيه لقد أوضحنا رأي الفقهاء، والأطباء في مسألة الإجهاض قبل الأربعين وأوردنا خلاف الفقهاء في ذلك، وتبين مما سبق أن القول بالتحريم هو القول الراجح لما فيه من درء للمفاسد الشرعية الكثيرة، ولما فيه من حفظ للأنفس المعصومة، وهنا نبين تفصيل مسألة الإجهاض للجنين بعد الأربعين وقبل نفخ الروح فيه.
فالمالكية متفقون على تحريم الإجهاض مطلقاً ـ كما ذكرنا ـ أي منذ أن يكون نطفة إلى مرحلة ما قبل نفخ الروح فيه، على أساس أن النطفة مستعدة لقبول الحياة، والجناية عليها ممنوعة بأي حال من الأحوال؛ ففي إجهاض الجنين في مراحله الأولى تعدٍ على إنسانيته وحقه في الحياة، وهذا القول ذهب إليه بعض أئمة الأحناف، مثل الإمام السرخسي.
وأما الحنابلة والشافعية وبعض الحنفية فإنهم ذهبوا إلى أن منع التعدي على الجنين يكون من مرحلة المضغة فقط لا قبلها؛ لأنه لم يتصور بعد، وأما في المرحلة الثانية من المضغة ـ وإن ظهر تصور قليل ـ فإن الراجح أنه لا يعد تعدياً أو جناية، فأساس التعدي هو بدأ تخلق الجنين، وأما قبلها فإن المسألة مباحة، أي جواز إسقاط الجنين قبل اثنين وأربعين يوماً، وهي (المرحلة التي يكون فيها الجنين وسطاً بين الوجود الإنساني وخلافه)([140]).
بعض آراء الفقهاء المعاصرين في هذه المسألة: وقد انقسموا إلى فريقين؛ فريق يرى جواز الإسقاط: في أي مرحلة قبل ألـ (120يوما) أي قبل نفخ الروح. وفريق آخر ذهب إلى حرمة الإسقاط حين دخول النطفة الرحم واستقرارها فيه. وقبل إيراد رأي هذا الفريق، جاء في الندوة التي أقيمت بدولة الكويت عن موضوع (الإنجاب في ضوء الإسلام) عام 1983م، جاء في توصيتها السابعة في موضوع ـ الإجهاض ـ ما يلي: (استعرضت الندوة آراء الفقهاء السابقين وما دلت عليه من فكر ثاقب ونظر سديد...، وقد استأنست الندوة بمعطيات الحقائق العلمية الطبية المعاصرة، فخلصت إلى أن الجنين حي من بداية الحمل، وأن حياته محترمة في كافة أدوراها خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأوا جوازه قبل تمام الأربعين يوماً، وخاصة عند وجود الأعذار)([141]).
وهذا الدكتور جميل بن مبارك وهو من الفريق الذي لا يجيز الإجهاض في هذه المرحلة يقول في هذه المسألة: (والذي ينبغي المصير إليه في مسألة الإجهاض ـ والله أعلم ـ هو أنه إذا كانت هناك ضرورة تدعو إليه فيرخص فيه وإلا فلا. وهذا الحكم ينبغي أن يسري على المرحلتين معاً قبل التخلق وبعده؛ لأن إسقاطه ولو في مرحلة ما قبل التخلق يعد تلاعباً وقطعاً للطريق أمام الحمل، ما دام العزل ووسائل منع الحمل الأخرى مباحة)([142]).
ويقول الدكتور البوطي وهو من المجيزين للإجهاض قبل الأربعين يوماً (أن الحكم الراجح في مسألة الإجهاض هو جواز إسقاط المرأة حملها إذا لم يكن قد مضى على الحمل أربعون يوماً) ([143]).
وقد قرر الدكتور عبد الكريم زيدان تعليقاً على رأي فقهاء المذهب الحنفي فقال: (وواضح من هذا أن الإجهاض قبل مضي أربعة أشهر على الحمل لضرورات العلاج يعد إجهاضاً بعذر مشروع) ([144]) أي أنه قرن بين إباحة الإجهاض وبين حالة العلاج للمرأة الحامل المريضة، فيعد المرض الذي يسبب العدوى من الأعذار المبيحة للإجهاض قبل نفخ الروح. والذي يفهم من أقوال بعض الفقهاء عموماً أن الإجهاض يجوز قبل تخلق الجنين؛ أي ما قبل مرحلة المضغة، ورغم هذه الإباحة فإن الأطباء المسلمين لا يرون مسوغاً يدعو الحامل للتخلص من جنينها لأي سبب تراه، بحجة أن الروح لم تنفخ فيه بعد، أو أن خلقه لم يظهر. يقول الدكتور محمد علي البار: (ينبغي على من يعملون بالمهنة الطبية أن ينتبهوا إلى هذه النقطة، وعليهم إذا اضطروا لإجراء الإجهاض أن يحرصوا على أن يكون في الفترة التي تسبق نفخ الروح (120يوماً) إلا في حالة واحدة وهي تعرض حياة الأم للخطر) ([145]).
وإذا تأملنا فيما سبق إيراده لاحظنا أن التحريم هو أساس المسألة، وإلا فالمجيزون للإجهاض يضعون شرط الضرورة، ومعلوم أن من أهم الضرورات حفظ النفس، فإذا تبين يقيناً أن الجنين سوف يتأثر بوضعه في الأم المصابة بالمرض المعدي ـ كالإيدز ـ فالقول بالجواز يكون في هذه المسألة بعد المراجعة الطبية وأهل التخصص، والاعتماد على الأطباء الثقات العدول، لأن هذه المسألة يتلاعب فيها كثير من الأطباء الذين لا يحملون إلا حبهم للمال فقط، فيبيعون ذممهم من أجله ولو على حساب الأنفس المعصومة.
وأما إذا تبين أن الجنين لن يتأثر بمرض أمه مع الأخذ بالأسباب التي أوردناها في المطلب الأول فالأولى في ذلك تحريم الإجهاض ما دامت أن نسبة انتقال العدوى من الأم إلى الجنين نسبة بسيطة، ومعلوم أيضاً أن بعض الأطفال يكونون في بداية الحمل إيجابي المرض، ثم يشاء الله تعالى أن تنقلب حالتهم إلى المرض السلبي.
المطلب الثالث: إجهاض الحمل بعد نفخ الروح فيه حكم الإجهاض بعد نفخ الروح عند الفقهاء: معلوم أن نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوماً، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه ابن مسعود مرفوعاً (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ..) ([146]). ولا يعرف خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، فقد نصوا على أنه إذا نفخت في الجنين الروح حرم الإجهاض إجماعاً. وقالوا: إنه قتل له بلا خلاف([147]). والذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أنه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأم وما لم يكن كذلك. وصرح ابن عابدين بذلك فقال: لو كان الجنين حياً، ويخشى على حياة الأم من بقائه، فإنه لا يجوز تقطيعه، لأن موت الأم به موهوم، فلا يجوز قتل آدمي لأمر موهوم([148]).
وعلى ذلك فقد اتفق العلماء على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح إلا لعذر قوي، كأن يكون الجنين خطراً مؤكداً على الأم كما ذكرنا سابقاً، وهذا يرجع فيه إلى الأطباء العدول الموثوقين، وخاصة في مثل حالة الأم المريضة بمرض معدي ـ كالإيدز وغيره ـ مما هو معروف لدى الأطباء، ومدى خطره على الجنين.
وقد ذكر الأطباء بأن الإصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ لا تتم للجنين غالباً ـ إلا بعد تقدم الحمل ـ نفخ الروح في الجنين ـ أو عند الولادة، وعليه فلا يجوز الإجهاض في هذه الحالة إلا إذا تحقق الخطر المؤكد على الأم فيجوز([149]).
وهذا الموضوع صدر فيه قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في الدورة الثانية عشرة والتي عقدت بمكة المكرمة بتاريخ: 15ـ 22/7/1410هـ، والذي جاء فيه أن المجلس قرر بأكثرية الأصوات ما يلي:
(إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً فلا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواءً كان مشوهاً أولا؛ دفعاً لأعظم الضررين.... ) إلى آخر ما قرره المجمع([150]). وصدر أيضاً عن مجمع الفقه الإسلامي: أنه لا يجوز إجهاض الجنين حيث جاء في قرارهم رقم (90)(7/9) بشأن مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز والأحكام الفقهية المتعلقة به في البند ثالثاً ما نصه: (ثالثاً: إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز ـ نظراً لأن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض الإيدز نقص المناعة المكتسبة إلى جنينها لا تحدث ـ غالباً ـ إلا بعد تقدم الحمل ـ نفخ الروح في الجنين ـ أو أثناء الولادة، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعاً) ([151]). وجاء في ملخص أعمال الندوة الفقهية الطبية السابعة: (.... وفي حالة التأكد من إصابته بعد تمام مائة وعشرين يوماً على بدء حمله، فلا يجوز إسقاطه، شأنه في ذلك شأن الجنين المشوه الذي لا يجوز إسقاطه وشأن مريض الإيدز الذي لا يجوز أن نمتنع عن علاجه فضلاً عن أن نميته) ([152]). وعلى ذلك فإنه لا يجوز إجهاض المرأة المصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ لأن الروح قد نفخت فيه، ولا يجوز قتلها له بغير حق. وهذا هو رأي المجامع الفقهية والمنظمات الصحية والإسلامية كما سبق ذكره سلفاً، وهي اجتهادات جماعية لم يظهر لها مخالف.
المبحث السادس: استدامة العشرة بين الزوجين المصابين أو أحدهما
وفيه مطلبان: المطلب الأول: استدامة العشرة إذا كان أحد الزوجين هو المصاب. المطلب الثاني: استدامة العشرة إذا كان الزوجان كلاهما مصابين.
المطلب الأول: استدامة العشرة إذا كان أحد الزوجين هو المصاب تعريف العشرة: في اللغة: اسم من المعاشرة والتعاشر، وهي المخالطة. والعشير: القريب، والصديق. وعشير المرأة: زوجها، لأنه يعاشرها وتعاشره([153])، وفي الحديث: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ..)([154]).
والعشرة اصطلاحاً: هي ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام([155]). حكم العشرة بالمعروف: ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن العشرة بالمعروف بين الزوجين مندوبة ومستحبة([156]). وذهب المالكية إلى: وجوب العشرة بالمعروف ديانة لا قضاء ([157]).
الحث على العشرة بالمعروف: حث الشارع على العشرة بين الزوجين بالمعروف، قال تعالى: [وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ] ([158])، وقال تعالى:[ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ] ([159]). قال أبو زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال الضحاك في تفسير هذه الآية: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته([160]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ)([161]). ومعنى العشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها الأزواج في قوله تعالى: [وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ]([162]) هو: أداء الحقوق كاملة للمرأة مع حسن الخلق في المصاحبة([163]). قال الجصاص: ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم،وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب([164]).
وتتحقق العشرة بالمعروف بين الزوجين بأداء الحقوق كاملة مع حسن الخلق في المصاحبة، وهذه الحقوق إما أن تكون للزوج أو للزوجة أو مشتركة بينهما. وليس هنا المجال في الكلام عن الحقوق الزوجية، ولكن أردت إيراد معنى العشرة لأهمية خلو الزوجين مما يعيق حياتهما الزوجية الكريمة.
مسألة: هل يمكن استدامة العشرة بين الزوجين إذا كان أحدهما مصاباً بمرض؟ إذا كان أحد الزوجين مصاباً فيجب عليه أولاً أن يخبر الطرف الآخر بمرضه وقد مر معنا في المبحث الثاني في حكم الزواج من المصاب بمرض معدي.
وثانياً: إذا علم السليم من الزوجين بوجود مرض معدي في الزوج الآخر، فما حكم بقائهما معاً، هذا ما سيتم إيضاحه. لقد تكلمنا عن أثر المرض المعدي في حياة الشخص المصاب وأثر ذلك على من يعاشره وخاصة إذا تزوج بشخص آخر سليم، وما يترتب على ذلك طبياً من نقل العدوى وزيادة فرصة انتشار المرض، وهذا الأمر قد ذكره الأطباء سابقاً وبينوا أن الاتصال الجنسي بين شخص مصاب وآخر سليم يعتبر من أعظم وسائل نقل المرض، وأن نسبة انتقال المرض عن طريق هذا الاتصال تصل إلى أكثر من 90% من حالات العدوى، ولا سيما أن هناك ممارسات جنسية معينة تكون بين المتعاملين فيه، عن طريق اللواط، والزنا، وتعدد القرناء، ومخالطة البغايا وغيرها([165]).
لذلك فإن الأطباء ينصحون بالابتعاد عن الاتصال الجنسي ما أمكن، فإن أصرا على الاتصال الجنسي فيكون ذلك عن طريق استعمال العازل الذكري أو الأنثوي، لمنع ملامسة الإفرازات الجنسية لكل من الطرفين مما يقلل نسبة الإصابة للسليم([166]).
وفي بحث معلومات أساسية لمرض الإيدز: (إن احتمالات انتقال العدوى من الزوج المريض إلى الزوج السليم واردة، ولاسيما إذا كان المريض يرفض استعمال العازل الذكري) ([167]). ويذكر الأطباء أن الاتصال الجنسي ينقل الفيروس إلى الشخص السليم بمعدل تقريبي ينقص باستعمال العازل الذكري.
وأما رأي الفقهاء المتأخرين فقد اختلفوا في ذلك على قولين: الأول: جواز طلب التفريق من الطرف السليم متى طلب ذلك([168])، ولا يجوز للمصاب إجبار زوجته على البقاء أو المعاشرة الجنسية([169]).
جاء في بحث إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي من مرض الإيدز: (الثانية: أن يمتنع الطرف الآخر عن المعاشرة ويبقى معافى من الإصابة، وهذا يجوز له أن يطلب التفريق حماية لنفسه ومستقبله، ومستقبل أولاده من العدوى الممكنة في كل وقت بالدم أو المعاشرة أو اللبن) ([170]).
الثاني: إذا لم تنتقل العدوى فإنه يفرق بينهما ولو رضي السليم، فإذا كانت المرأة هي السليمة فعلى الأولياء أن يأخذوا على يدها لما تقرر شرعاً من الضرر الحاصل ببقائها معه.
وإذا كان السليم هو الزوج فيجب على الأمة منعه وحجره عن ذلك، إن لم يبتعد عما هو فيه. جاء في بحث الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز: (إلا أنني أرى أن تزوج الرجل المعافى من مريض بمرض خطير ضار ـ كالإيدز والبرص والجذام ـ أولى من سفه التصرف بالمال، فالسفه في التصرف في النفس وإهلاكها أشد خطراً من السفه في التصرف بالمال) ([171]).
والأولى في ذلك أن ينظر في حال الزوجين كما ذكرنا ذلك في المبحث الثاني، وإمكانية عدم حصول الضرر، إذ الأمر يرجع إلى سن الزوجين، وقوتهما، والتزامهما بالضوابط والتوجيهات الصحية اللازمة لحماية السليم منهما من المرض.
وهذا الأمر هو الذي ينظر فيه الأطباء من حيث المصالحة والمفسدة، وعلى ذلك يتم تحديد الأولى إما باستمرارية العشرة بين الزوجين، أو التفريق بينهما.
المطلب الثاني: استدامة العشرة إذا كان الزوجان كلاهما مصابين إذا تزوج رجل وامرأة وتبين أنهما مصابان بنفس المرض المعدي، سواء كان ذلك قبل النكاح أو بعده، وسواءٌ كان ذلك بسبب الوقوع في سلوك محرم، أو عن طريق الوسائل الأخرى كنقل الدم وغيره، وربما طالت حياتهما الزوجية، وربما رزقوا بأبناء، ففي هذه الحالة هل يجوز لهما شرعاً الاستمرار معاً أم لا؟ وإذا كان ذلك جائزاً، فهل هناك ما ينبغي مراعاته شرعاً؟
إن أهل الاختصاص من الأطباء لم يجزموا بنصح الزوجين بالاستمرار أو عدمه، ولكن ظهرت أقوال بعضهم أن العدوى قد تزداد مع بقاء المصابين معاً، وأن ذلك ممكن ويؤدي إلى زيادة نشاط الفيروس إلا أنه لا توجد دراسة واضحة قامت على متابعة مثل هذه الحالة وأوضحت ذلك بأمثلة واقعية.
جاء في ملخص الندوة الطبية الفقهية التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت: ما يفيد أن الأطباء يرون أن لذلك أثراً، وأن العدوى قد تتكرر بالاتصال الجنسي بين المصابين، وقد جاء في ملخص أعمالها: (وبالنسبة للزوجين المصابين يمكن أن يجامع كل منهما الآخر، ويستحسن أن يكون ذلك باستخدام العوازل الذكرية أو الأنثوية لمنع تكرار نقل العدوى بينهما خاصة أن الفيروس قد تتغير نوعيته داخل جسم المصاب بالعدوى، كما أن تكرار العدوى تسبب سرعة تطور العدوى إلى المرض)([172]). وذلك يتبين منه ضرر استدامة الجماع والعشرة بين الزوجين.
إلا أن بعضاً من الأطباء المتخصصين يرون أن الزواج بين المصابين أولى، كما أن استدامة العشرة بينهما خير لهما ووفاء بالميثاق؛ ولأن المرض قد وقع، والمصالح الناجمة عن ابتداء النكاح واستمراره أقوى بكثير من المفاسد المتوقعة ولاسيما إذا كان الفيروس مستجيباً للعلاج عند الطرفين.
وأما من ناحية الحكم الشرعي، فقد قرر الفقهاء أن الحكم ينبني على ما تقرر من جهة الاختصاص، من حيث حصول الضرر من عدمه. وأنه متى قرر أهل الاختصاص بأنه لا ضرر عليهما أو أن هناك ضرراً محتملاً، ففي هذه الحالة لا إشكال في استدامة النكاح بينهما([173]).
ويرى البعض الآخر وجوب استدامة العشرة بينهما. ومن هنا يتضح لنا من قول أهل الاختصاص من الأطباء، ورأي الفقهاء في هذه المسألة أن الأصل بقاء استمرار العشرة بين الزوجين المصابين،ولا يتفرقا ما لم ينصح الأطباء بالفرقة، أو بترك المعاشرة الزوجية.
المبحث السابع: التفريق بين الزوجين المصابين أو أحدهما عند الطلب
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: طلب الزوجة السليمة الفرقة أو التعويض من الزوج. المطلب الثاني: طلب الزوج السليم التعويض عند فراق الزوجة المصابة.
المطلب الأول: طلب الزوجة السليمة الفرقة أو التعويض من الزوج المصاب تعريف الفرقة: لغة: بضم الفاء ـ اسم من المفارقة، ومعناها في اللغة: المباينة، وأصلها من الفرق بمعنى الفصل، يقال: فرق بين الشيئين فرقاً وفرقاناً: فصل بينهما، وافترق القوم فرقة: ضد اجتمعوا([174]). وفي الاصطلاح: يذكر الفقهاء هذه الكلمة ويريدون بها انحلال رابطة الزواج، والفصل والمباينة بين الزوجين، سواء أكانت بطلاق أم بغيره([175]). وقد ذكر الفقهاء أسباباً كثيرة للفرقة، وليس هذا مجال ذكرها، ولكن سنذكر سبباً من أسبابها وهو ما يتعلق بموضوعنا.
فمن أسباب الفرقة التي وضعها الفقهاء: الفرقة بسبب العيب: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التفريق بسبب العيب في الرجل أو المرأة على سواء. وخص الحنفية جواز الفرقة بينهما بعيوب في الزوج، وهي: الجب والعنة والخصاء فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وزاد عليها محمد: الجنون([176]). واختلف الجمهور في أنواع العيوب التي تجوز بسببها الفرقة بين الزوجين بين موسع ومضيق([177]). فعند المالكية يفرق بالعيوب التالية: عيوب الرجال وهي: الجب([178])، والخصاء([179])، والعنة([180])، والاعتراض([181]). وعيوب النساء هي: الرتق([182])، والقرن([183])، والعفل([184])، والإفضاء([185])، والبخر([186]). والعيوب المشتركة هي: الجنون([187])، والجذام([188])، والبرص([189])، والعذيطة([190])، والخناثة المشكلة([191]).
وعند الشافعية يفرق بالعيوب التالية: عيوب الرجال وهي: العنة، والجب. وعيوب النساء هي: الرتق والقرن. والعيوب المشتركة هي: الجنون، والجذام، والبرص([192]). وعند الحنابلة يفرق بالعيوب التالية: عيوب خاصة بالرجال هي: العنة، والجب. وعيوب خاصة بالنساء هي: الفتق، والقرن، والعفل. وعيوب مشتركة وهي: الجنون، والبرص، والجذام([193]).
إلا أن أبا بكر وأبا حفص من الحنابلة زادا على العيوب المتقدمة استطلاق البطن،وسلس البول، وقال أبو الخطاب: ويتخرج على ذلك من به الناسور والباسور، والقروح السيالة في الفرج لأنها تثير النفرة، وتعدى بنجاستها، وقال أبو حفص: الخصاء عيب وفي البخر والخناثة وجهان([194]).
وكل هذه العيوب السابق ذكرها لا تدل على أنها من أسباب العيوب فقط، بل توجد عيوب أخرى عند بعض الفقهاء تلحق بها ما يماثلها في الضرر. ومن ذلك ما قاله ابن تيميه رحمه الله في الاختيارات العلمية: (وترد المرأة بكل عيب ينفر عن كمال الاستمتاع).
وما قاله ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (وأما الاقتصار على عيبين أو ستة، أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساو لها فلا وجه له،فالعمى والخرس والطرش، وكونها مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات). وقوله: (والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار)([195]).
وما قاله الكاساني: وقال محمد: خلوّه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، كالجنون، والجذام،والبرص شرط للزوم النكاح،حتى يفسخ به النكاح حيث جاءت هذه العيوب بصيغة التمثيل.
هذا إلى جانب أن نصوص الفقهاء عامة كانت تعلل التفريق للعيب بالضرر الفاحش وبالعدوى، وعدم القدرة على الوطء، وهو ظاهر في
جواز القياس عليها([196]). شروط التفريق للعيب لدى الفقهاء: اختلفوا في الشروط المثبتة للتفريق للعيب على مذهبين، وفق ما يلي: أولاً: ذهب الجمهور إلى أن التفريق بالعيب يشترط فيه ما يلي: (أ) عدم الرضا بالعيب قبل الدخول أو بعده، في العقد أو بعده، صراحة أو دلالة، فإن رضي السليم من الزوجين، كأن يقول رضيت بعيب الآخر، أو يطأها، أو تمكنه من الوطء، فإنه لا خيار لهؤلاء في الفسخ بعد ذلك. وهذا مذهب الحنابلة، والشافعية يوافقونهم فيه إلا في مسألة العنين، فإن زوجته إذا رضيت بعنته بعد الدخول فلا خيار لها عندهم خلافاً للحنابلة.
ومذهب المالكية يوافق مذهب الحنابلة أيضاً إلا في مسألة المعترض، وهو العنين عند الحنفية والشافعية والحنابلة إذا مكنته من التلذذ بها بعد علمها باعتراضه، فإنه لا يسقط بذلك حقها في التفريق عند المالكية، لاحتمال أنها كانت ترجو برأه بذلك([197]). مسألة: هل يعد الرضا بالعيب قبل النكاح مسقطاً للخيار، كما لو أخبرها بعنته فرضيت بذلك صراحة أو دلالة؟
الجمهور على أن ذلك مسقط للخيار، وقال الشافعي في الجديد كذلك: إلا في العنين، فإنه قال: يؤجل لأنه قد يكون عنيناً في نكاح دون نكاح، ثم إن عجزه عن وطء امرأة ليس دليلاً على عجزه عن وطء غيرها([198]).
(ب) سلامة طالب الفسخ من العيوب في الجملة: فالمبدأ العام لدى الجمهور: أنه لا يشترط لطلب التفريق بالعيب سلامة طالب التفريق من العيوب، خلافاً للحنفية، إلا أنهم اختلفوا في ذلك في بعض الصور على ما يلي: ذهب المالكية إلى أن طالب التفريق للعيب إذا كان فيه عيب مماثل للآخر فإن للزوج التفريق دون المرأة لأنه بذل الصداق لسالمة، دونها هي. فإذا كان عيبه من جنس آخر كان لكل واحد من الزوجين طلب التفريق مطلقاً. وفي قول آخر لهم: له التفريق مطلقاً، سواء أكان عيبه من جنس عيبه، أم لا، أم لم يكن معيباً، وهو الأظهر عندهم([199]). وذهب الشافعية في الأصح: إلى أن للمعيب أن يطلب فسخ النكاح لعيب الآخر، وسواء أكان عيبه من جنس عيبه أم لا، وقيل: إن وجد به مثل عيبه من الجذام والبرص قدراً وفحشاً مثلاً، فلا خيار له لتساويهما([200]).
وذهب الحنابلة إلى أن طالب الفسخ، إذا كان معيباً بعيب من غير جنس عيب الآخر كالأبرص يجد المرأة مجنونة، فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه، إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء، فلا ينبغي ثبوت الخيار لهما لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع. فإن كان عيبه من جنس عيب صاحبه، ففيه وجهان: أحدهما: لا خيار لهما،لأنهما متساويان،ولا مزية لأحدهما على الآخر،فأشبها الصحيحين. الثاني: له الخيار لوجود سببه([201]).
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ذي الرقم 90 (7/9)، في الفقرة خامساً منه ما نصه: (حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز: للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) مرض معدٍ تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي) ([202]).
وجاء في ندوة رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز باعتبار أنه مرض معدٍ تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي ويستوي في ذلك أن يكون موجوداً قبل العقد أم وجد بعده) ([203]).
وأدلة ذلك تتبين فيما يأتي: (1) أن الله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، قال تعالى: [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ]([204]). وفي هذه الآية دليل على أن بقاء الزوجة السليمة مع زوجها المريض بهذا المرض عسر وحرج ومشقة لا تطاق([205])، وأيضاً ما تقرر طبياً من خطورة المرض المعدي ـ وخاصة الإيدز ـ وأن السنة أمرت بالبعد عن المريض كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ)([206]). وعمر رضي الله عنه (لما علم أن رجلاً عقيماً تزوج بامرأة، قال: أخبرتها، قال: لا، قال: أخبرها ثم خيّرها)([207]).
وبناء على ذلك الأثر يتبين أن الإنجاب من الأغراض السامية وأن فقده يعد عيباً، ولأجله أمر عمر رضي الله عنه بالإعلام والتخيير.
والمرض المعدي ـ كالإيدز ـ مما قد يمنع معه الإنجاب، ومعلوم أن الإنجاب إحدى وسائل انتقال المرض إذا لم يتم الانتفاع بالعلاج، ثم إن خطر هذا المرض أعظم من العقم فدل على الجواز.
أن هذا المرض يحول دون تحقيق مقاصد النكاح من الاستمتاع وتحقيقه الولد والإحصان والمودة والرحمة، لما يسببه من نفرة تمنع قربانه، قياساً على الجذام والبرص. وأيضاً معلوم أن ضرر هذا المرض متعدي إلى من يخالط صاحبه، بل قد يتعدى إلى النسل، ومعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح([208]).
وأيضاً من القواعد الشرعية المعتبرة: أن (الضرر يزال) ([209])، وفي هذه القاعدة يلحق بالزوجة السليمة ضرر كبير بزواجها من المريض، وإزالته واجب شرعي.
وقاعدة: (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) ([210])، وعلى هذه القاعدة أيضاً يتبين أن الضرر الذي سيلحق الزوج بالفراق مهما كان، فهو خاص، بينما أن بقاء الزوجية يزيد الضرر ويصبح عاماً، فيشمل الزوجة والذرية ويتفشى حتى يعم المجتمع، فيحتمل الضرر الذي سيلحق الزوج مقابل دفع الضرر العام.
وقاعدة: (إذا ضاق الأمر اتسع) ([211])، فإن الحرج والضيق والمشقة ستبلغ بالزوجة كل مبلغ، وعندها يتسع الأمر، فيصح لها طلب الفراق، ويلزم الزوج بذلك فالمشقة تجلب التيسير([212]). لقوله تعالى:[فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً]([213])، وقوله تعالى:[وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([214]).
فالذي أراه في هذه المسألة بعد تقرير أهل الاختصاص من الأطباء بخطورة المرض المعدي وخاصة ـ مرض الإيدز وما هو على شاكلته ـ ، وأيضاً بعد رأي الفقهاء أن أي ضرر أو عيب أو مرض يضر بالزوجة فإن لها حق طلب الفسخ، يتبين أن هذه الأمراض تدخل من ضمن أسباب التفريق، وأنه يحق للزوجة أن تطلب الفرقة من زوجها ويجوز لها ذلك، وعلى الزوج إجابتها لذلك.
مسألة: هل يحق للزوجة أن تطلب التعويض من الزوج المصاب عند طلب الفراق؟ لا يخلو الأمر في هذه المسألة من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكتشف المرض ويكون التفريق قبل الدخول، وهنا سيكون التعويض المشار إليه هو المهر، فهل لها نصيب منه بما أن سبب الفرقة من قبل الزوج؟ ذلك لأن الزوجة لم يلحقها في هذه الحالة إلا الضرر المعنوي وهو الطلاق ومدى تأثير التفريق بالعيب على المهر قبل الدخول.
فهذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين: الأول: أن الفرقة إذا وقعت بسبب العيب وكانت قبل الدخول، أو الخلوة الصحيحة فللزوجة نصف المهر المسمى، أو المتعة([215]) إن لم يكن المهر مسمى؛ وبه قال الحنفية([216]). ووافقهم المالكية([217]) في حال صدور الفرقة من الزوج لزوجته المعيبة بلفظ الطلاق. الثاني: أن الفرقة إذا وقعت قبل الدخول وما في حكمه([218])، فليس للزوجة شيء من المهر سواءٌ أكان العيب في الزوج أم في الزوجة.
وبه قال جمهور الفقهاء من الشافعية([219])، والحنابلة([220]). وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([221]). وقال به بعض المالكية([222]) في حالتين: الأولى: أن تكون الزوجة هي الطالبة للفرقة من زوجها المعيب، ولا فرق هنا أن تكون الفرقة بلفظ الطلاق أو غيره. الثانية: في حالة صدور الفرقة من الزوج لزوجته المعيبة بغير لفظ الطلاق. والراجح: هو قول الحنفية والمالكية لأن عقد الزواج تم بأركانه وشروطه والمرأة سليمة ليس بها عيب، ولكن ثبت العيب في الزوج بعد الزواج، فهو المتسبب في الفرقة، ولو كان ذلك بطلب المرأة.
والعبرة بتحقيق الأمر لا بظاهره، ولفظ الطلاق في الآية الكريمة [وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ]([223]) تدل على أن الفرقة من قبل الزوج. وهذا واقع في هذه المسألة، والله تعالى أمر بالمتعة للمطلقات مطلقاً، قال ـ جل وعلا ـ
:[وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ]([224])، وهذه من باب أولى([225]). ويتبين رجحان هذا القول بأن المرأة قد تشوفت للنكاح واستعدت له وبورك لها فيه، فما يصيبها من الحزن بسبب العيب هو كالذي يصيبها بسبب الطلاق، بل ربما كان أبلغ عندما تشعر أنه كان سيخدعها أو يغشها أو يدلس عليها، إذا كان يعلم مرضه، فيجبر ذلك الشعور بنصف المهر حال التسمية، أو المتعة عند عدمها، هو الموافق لمقاصد الشريعة. جاء في بحث الإحقاق في أن مرض الإيدز مسوغ لطلب الطلاق: (إن كان طلب الفرقة قبل الدخول، وكان السبب هو إصابة الرجل بمرض الإيدز، فتكون الفرقة طلاقاً يجب به نصف المهر المسمى بالعقد تعويضاً لها عما لحقها من الضرر) ([226]).
الحالة الثانية: أن يكتشف المرض ويكون الفراق بعد الدخول والخلوة: وفي هذه الحالة الضرر الواقع على الزوجة أكثر منه في الحالة الأولى لحصول الدخول والخلوة بها مما يفقدها بكارتها فتصبح ثيباً وليست الثيب كالبكر. فهل في هذه الحالة تستحق المهر، وهل لها تعويض زائد على المهر؟
أجمع الفقهاء ـ في الجملة ـ على أن الفرقة بالعيب إذا حدثت بعد الدخول، وما يقوم مقامه وهي الخلوة، فإن للزوجة المهر المسمى([227]). وبيان ذلك كما يأتي: ذهب أبو حنيفة([228])، والصحيح من مذهب الحنابلة([229])، أن الفرقة إذا وقعت بالعيب وبعد الدخول أو الخلوة الصحيحة فللزوجة المهر كاملاً إن كان مسمى وإلا مهر المثل إن كان المهر غير مسمّى.
وعند أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، أنه إذا كان قد دخل بها فلها المسمى إن كان وإلا فلها مهر المثل، وإن كان لم يدخل بها وإنما خلا بها فقط فلها نصف المهر([230]). وعند المالكية إنه إذا كانت الزوجة هي الطالبة للفراق لعيب في زوجها، ولو كانت معيبة ـ أيضاً ـ ففي هذه الحالة يجب لها المهر المسمى كاملاً إن كان ممن يتصور منه الوطء، فإن كان لا يتصور منه فلا شيء لها([231]).
وذهب الشافعية: أن الفرقة إذا كانت بعد الدخول وكان العيب مقارناً للعقد أو حادثاً بين العقد والوطء وجهلته الزوجة، فلها مهر المثل، ويسقط المسمى.
والراجح: ما ذهب إليه أبو حنيفة، والصحيح من مذهب الحنابلة أن للزوجة بعد الدخول أو الخلوة المهر المسمى إن وجد، وإلا فلها مهر المثل.
وعلى ذلك فإن كانت الفرقة حاصلة بسبب عيب في الزوج كوجود ـ مرض الإيدز المعدي ـ فإن لها المهر المسمى، وإلا فلها مهر المثل إن لم يسم عند العقد؛ لأن الفرقة وقعت في نكاح صحيح، لولا العيب لوجب المهر المسمى بالدخول، وهكذا يجب المهر بالفرقة من قبل الزوج.
مسألة: هل للزوجة طلب تعويض زائد عن المهر؟ الواضح من هذه المسألة أن الزوجة وقع عليها ضرر يتمثل في إصابتها بالمرض المعدي من زوجها لمعاشرتها إياه، وهذا يعتبر من أعظم الضرر، ويضاف إلى ذلك نفرة الناس عنها حتى أقرب الناس لها، وتشويه سمعتها، إلى غير ذلك من الأضرار المعنوية. فإن قدِّر لها النجاة من الإصابة بهذا المرض فلا أقل من حصول بقية الأضرار الأخرى المفضية ـ غالباً ـ إلى العنوسة ما دامت أصيبت بهذا المرض المعدي. وهذا يعتبر من أعظم الضرر عليها.
وعلى ذلك فهذه المسألة على حالتين: الأولى: أن تبتلى بالإصابة. الثانية: ألا تصاب بهذا المرض وتطلب التعويض عن ضرر السمعة، وجميع الأضرار المعنوية والأدبية التي لحقت بها بسبب هذا الزوج. فالجمهور: على تعزيره على إساءته لغيره بالفعل أو القول. وأما الحنفية: فقد استثنوا ما إذا وصف شخص آخر بأوصاف الوحوش مثل يا حمار، ويا خنزير، ويا كلب... فقالوا: لا يعزر؛ لأنه لم يلحق به الشين. وقال ابن القيم في هذه المسألة: (فيرى أن العدل ومقتضى الكتاب والميزان وآثار الصحابة أن يفعل بالجاني نظير ما فعل به متحرياً للعدل ما لم يكن حراماً، وهذا أقرب للعدل من التعزير المخالف للجناية جنساً ونوعاً وقدراً وصفة ويرى أن ما ذهب إليه هو مقتضى القياس.
ويشير إلى أن الحيف والتعدي الذي يحصل في التعزير المخالف للجناية أكثر منه في التعزير بالنظير) ([232]). فالأولى في هذه المسألة أن ينظر الحاكم أو القاضي فيها: فكما أنه قد يرى أن النظير هو العدل والأقرب له، فقد يرى أن التعزير بالمخالف هو مقتضى العدل؛ لأن أعراف الناس تختلف فقد يكون أشد ما عند قوم من السب والشتم هو أهون ما عند آخرين. ورأي ابن القيم أقرب للصواب في هذه المسألة إلا إذا لم يظهر أن النظير والمثل لا يؤثر في الجاني فيؤخذ بقول الجمهور. وعلى ذلك فحكم الضرر المعنوي عند الجمهور([233]) فيه تأديب الجاني فحسب.
وقال أبو يوسف من الحنفية([234]): فيه أرش الألم، بينما استحسن ابن عرفة من المالكية([235]) أن في الجرح الذي ليس فيه أرش مقدر أجرة الطبيب. فتبين مما سبق أن قول الجمهور هو الأرجح لأن الأصل عدم التعويض، ولكن إذا رأى الحاكم أو القاضي أن الأصلح هو العقاب بالمال إما لشناعة الفعل فيجمع على الجاني عقوبتين، وإما لفساد الناس وانتشار ذلك الجرم فيهم؛ والعقوبة التعزيرية لم تعد ذات أثر عليهم فلا بأس بالتعويض في هذه الحال بالمال.
المطلب الثاني: طلب الزوج السليم التعويض عند فراق الزوجة المصابة ذكرنا في المطلب السابق أن الزوجة يحق لها طلب الفراق إذا تبين أن زوجها مصاب بمرض معدي ـ كالإيدز ـ وفي هذا المطلب إذا كان العكس، فيكون الزوج سليماً والزوجة هي المصابة، فهل يحق له فراقها وطلب التعويض منها بسبب هذا العيب الذي أصيبت به؟ أولاً: حكم طلب الزوج السليم الفرقة بسبب عيب في الزوجة: للعلماء في هذه المسألة قولان: الأول: يحق لكل من الزوجين طلب الفرقة، سواءً الزوج أو الزوجة. وهو قول جمهور العلماء([236])، من المالكية([237])، والشافعية([238])، والحنابلة([239]) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية،وتلميذه ابن القيم،وهو مروي عن عمر، وابنه، وابن عباس، وغيرهم رضي الله عنهم. الثاني: لا يجوز الفسخ بالعيب مطلقاً. وهو قول الحنفية([240])، والظاهرية([241]) ، ووافقهم الشوكاني([242]). فالحنفية يوافقون الظاهرية في هذه المسألة ـ الذين لا يرون جواز الفسخ بالعيب مطلقاً، والحنفية لا يثبتون ذلك للزوج، بل الخيار له إن شاء أمسك وإن شاء طلق؛ لأن العصمة بيده. والراجح: مما سبق هو قول الجمهور. وهو جواز طلب الزوج السليم الفرقة من زوجته المصابة، لأن هذا حق للسليم، وهو من أوجب الواجبات. فالمرض المعدي ـ كالإيدز ـ ليس كغيره من الأمراض، بل يعد كارثة ليست كغيرها من الكوارث، لأن هذا المرض يدوم بدوام الناس، فهو ينتقل من الأقدم إلى الأحدث وهكذا. ثانياً: حكم طلب الزوج التعويض من الزوجة المصابة: من يرى من العلماء أحقية الزوج في طلب الفرقة لا يرى التعويض له، بل إن شاء أمسك وإن شاء طلق. والذين يقولون بأحقيته في طلب الفراق يكون النظر لديهم على اعتبارين أو حالتين: حصول الدخول والخلوة أو عدمها. الحالة الأولى: إذا كان الزوج يطالب بالتعويض قبل الدخول والخلوة الصحيحة. فللعلماء في ذلك قولان: الأول: أنه لا شيء للزوجة من المهر، وعليها أن تعيد جميع المهر للزوج، لأن الفرقة بسببها، وهذا قول الشافعية([243])، والحنابلة مطلقاً([244])، والمالكية([245]) إذا كان الزوج قد فارق زوجته المعيبة بغير لفظ الطلاق. الثاني: للزوجة نصف المهر إذا فارقها بلفظ الطلاق قبل الدخول. وهو قول المالكية([246]). والراجح من ذلك هو قول الجمهور: من أنه لاشيء للزوجة لأن الفرقة لعيب فيها وذلك قبل الدخول والخلوة. ويقوى قول المالكية فيما إذا طلق الزوج السليم زوجته المعيبة بلفظ الطلاق من غير طلب للعوض ابتداءً، ولا طلب من حاكم أن يحكم له بالفرقة. فمتى طلق من نفسه كان لها نصف المهر، وإن طلب ذلك بواسطة وليها أو الحاكم وأقروا أن ذلك عيب معتبر فلا شيء لها، ولو كان الفراق بلفظ الطلاق.
وأما مطالبة الزوج السليم من زوجته المصابة التعويض إذا كانت المطالبة قبل الدخول والخلوة: فالراجح في هذه المسألة: أنه إذا طلق الزوج زوجته المصابة بمرض معدي قبل الدخول، وبطلب من الزوج سواء عن طريق الولي أو عن طريق الحاكم ففي هذه الحالة يكون التعويض: رد الزوجة جميع المهر للزوج، وليس لها فيه حق ولا بعض حق. وللزوج المطالبة بما أنفقه خلال ذلك العقد؛ لأن الفرقة بسببها.
وأما إذا طلقها دون طلب منه للفرقة، وكان ذلك قبل الدخول فلها نصف المهر لأنه فوت على نفسه حقه بذلك. الحالة الثانية: إذا طالب الزوج بالفرقة من الزوجة المعيبة بعد الدخول أو الخلوة: ففي هذه المسألة: ذهب الحنفية إلى أنه: إذا حصلت الفرقة بالعيب بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة، فإن للزوجة المهر كاملاً إذا كان في العقد مهر مسمى، وإلا وجب لها مهر المثل([247]). وذهب المالكية إلى أنه: إذا كان طالب التفريق هو الزوج لعيب في زوجته وكذا لو كانا معيبين، فلهم في ذلك تفصيل: أن يكون ولي الزوجة عالماً بحال موليته، ولا يخفى عليه أمرها، كأب وأخ وأبن، فلا يخلو: (1) إما أن تكون الزوجة حاضرة في مجلس العقد، فيخير الزوج بين إقامة الدعوى بالمطالبة للولي أو للزوجة؛ لأنهما اشتركا في التدليس فله مطالبة أي منهما. (2) ألا تكون الزوجة حاضرة لمجلس العقد، فيرجع الزوج على الولي الذي لا يخفى عليه حال موليته، كأب وأخ وابن، أو عالم بالعيب ولو بعيداً([248]). (ب) إن كان ولي الزوجة لا يعلم بحال موليته، ويخفى عليه أمرها لكونه غير محرم لها، كابن عم وحاكم وكل ولي قريب أو بعيد شأنه أن يخفى عليه حالها فلا يخلو: (1) إذا لم تكن الزوجة حاضرة العقد فإن الزوج يرجع على الولي بشيء، ولا يرجع الولي على الزوجة بما غرمه للزوج لعيبها ـ أيضاً ـ. (2) فإن كانت الزوجة حاضرة العقد، فللزوج أن يرجع عليها فقط. ويترك لها ربع دينار لحق الله؛ لئلا يعرى البضع عن الصداق([249]). وذهب الشافعية: إلى أن الفرقة بالعيب إذا كانت بعد الدخول، وكان في الزوجة وجهله الواطىء فلا يخلو: (أ) أن يكون العيب مقارناً للعقد أو حادثاً بين العقد والوطء،فلها مهر المثل ويسقط المسمى في الأصح، وهو المشهور من المذهب، لأن الفسخ مستند إلى العيب الموجود حال العقد، فصار كما لو كان نكاحاً فاسداً. ولا يرجع الزوج بالمهر على من غرَّه، سواء أكان ولياً أم زوجة بالعيب المقارن؛ ـ في الجديد ـ وذلك لاستيفائه منفعة البضع المتقومة عليه بالعقد([250]). (ب) وإن حدث العيب بعد العقد والوطء، فلها في الأصح المهر المسمى كله؛ لأنه قد وجب ـ أي المسمى ـ بالعقد والوطء، فلا يتأثر بما طرأ بعدهما([251]). (ج) إذا حدث العيب بعد العقد، فإذا فسخ بسببه العقد فلا يرجع بالمهر جزماً لانتفاء التدليس([252]). وذهب الحنابلة: أنه إذا حصلت الفرقة بالعيب، وكانت بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة ونحوها، كالقبلة واللمس بشهوة. فللزوجة المهر المسمى على القول الصحيح من المذهب([253]). *لأنه نكاح صحيح وجد بأركانه وشروطه فترتب عليه أحكام الصحة. * ولأن المهر يجب بالعقد،ويستقر بالخلوة، فلا يسقط بحادث بعده([254]). ويرجع الزوج على من غرّه([255]) من امرأة عاقلة، أو ولي، أو وكيل عالمٌ بالعيب. لقول عمر رضي الله عنه: (أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها، فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها)([256]). ولأنه غرّه بالنكاح بما يثبت به الخيار فكان المهر عليه. فإن لم يعلم الولي بالعيب فلا غرم عليه، والغرم على الزوجة، وللزوج أن يعود عليها بجميع ما أصدقها([257]). فإن صدّقه الزوج أو كان له بيّنة وإلا فالقول قوله بيمينه([258]). لأن الأصل عدم علمه بالعيب. وإن وجد التغرير من الولي ومن الزوجة، فالضمان على الولي؛ لأنه المباشر للعقد. أما إن وجد منها ومن الوكيل فالضمان عليهما مناصفة؛ لأن فعل الوكيل كفعل الموكل بخلاف الولي؛ فليس فعله فعل موليِّه([259]). قالوا: ومتى طلق الزوج زوجته المعيبة قبل الدخول والخلوة، ثم علم أن بها عيباً يقتضي الفسخ، فعليه نصف الصداق، ولا يرجع به على أحد؛ لأنه قد رضي بالتزام نصف الصداق. أما إن مات الزوج قبل علمه بعيبها و ماتت قبل العلم به أو بعده، وقبل الفسخ، فلها الصداق كاملاً لتقرره بالموت ولا يرجع به على أحد، لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد([260]).
والراجح: هو قول المالكية والحنابلة حيث أنهما يقرَّان إعادة المهر للزوج، بالرجوع على من غره سواءٌ أكان الولي العالم بالعيب، أم الزوجة، أم الوكيل ونحو ذلك. وبناء على ما سبق يتبين أن للزوج السليم في حالة معرفته بإصابة زوجته بمرض معدي ـ كالإيدز ـ والعلم بهذا بعد الدخول والخلوة الصحيحة ـ سواء حدث المرض قبل الدخول أو بعده ـ المطالبة بالمهر كاملاً من الزوجة نفسها أو ممن غرر به.
وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حضانة الأم المصابة للطفل السليم. المطلب الثاني: حضانة الأم السليمة للطفل المصاب. المطلب الثالث: حضانة الأب المصاب للطفل السليم.
المطلب الأول: حضانة الأم المصابة للطفل السليم تعريف الحضانة: لغة: مصدر حضن، ومنه حضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وحضنت المرأة صبيها إذا جعلته في حضنها أو ربته، والحاضن والحاضنة الموكلان بالصبي يحفظانه ويربيانه، وحضن الصبي يحضنه حضنا: رباه([261]) والحضانة شرعاً: هي حفظ من لا يستقل بأموره وتربيته بما يصلحه([262]).
حكم الحضانة: الحضانة واجبة شرعاً لأن المحضون قد يهلك، أو يتضرر بترك الحفظ، فيجب حفظه عن الهلاك، فحكمها الوجوب العيني إذا لم يوجد إلا الحاضن، أو وجد ولكن لم يقبل الصبي غيره، والوجوب الكفائي عند تعدد الحاضن([263]).
المستحقون للحضانة: الحضانة تكون للنساء والرجال من المستحقين لها، إلا أن النساء يقدمن على الرجال، لأنهن أشفق وأرفق ، وبها أليق وأهدى إلى تربية الصغار، ثم تصرف إلى الرجال لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر([264]).
وحضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما، فإن افترقا فالحضانة لأم الطفل باتفاق، لما ورد (أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمأَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي)([265]).
سقوط الحضانة: تسقط الحضانة بوجود مانع منها،أو زوال شرط من شروط استحقاقها كأن تتزوج الحاضنة بأجنبي عن المحضون،وكأن يصاب الحاضن بآفة كالجنون والعته، أو يلحقه مرض يضر بالمحضون كالجذام وغير ذلك...وهذا كله متفق عليه عند جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة... ([266]).
مسألة: إذا تبين أن الأم مصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ : فقد ذكر أهل الاختصاص من الأطباء رأيين في هذه المسألة: الأول: من رأى منهم أنه لم يثبت طبياً انتقال العدوى بسبب المعاشرة العادية والاختلاط بين الأفراد.
جاء في بحث معلومات أساسية حول مرض الإيدز: (ولم يثبت انتقال العدوى في العائلات حتى ولو لم تتخذ احتياطات إضافية إلا بين الزوج والزوجة، فإذا راعت الأم الأساسيات البسيطة لنقل العدوى فلن تكون مصدر خطر على طفلها...) ([267]). الثاني: يرى الأخذ بالأحوط، فذكروا أن الصلة الحميمة تفترق عن الممارسات العادية، فالصلة الحميمة قد تسبب انتقال المرض.
جاء في كتاب الإيدز وباء العصر: (تحدث الإصابة بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بين الجنين وبين أمه، أو الأب المصاب قبل ظهور الأعراض غالباً) ([268]). وأما الفقهاء فقد افترقوا في هذه المسألة: بناءً على افتراق أهل الاختصاص، إلا إذا تم الأخذ بالأصل وهو الحضانة، أو الاحتياط وهو عدمها مراعاة لصالح المحضون.
فعند الفقهاء المتقدمين: جاء عند المالكية: اشتراط خلو الحاضن أو الحاضنة من العاهة أو المرض المضر كقولهم: (يشترط في الحاضنة العقل، والكفاية، وأن لا يكون بها جذام يضر ريحه أو رؤيته، ومثله كل عاهة مضرة يخشى على الولد منها، ولو كان بالوالد مثله؛ لأنه بالانضمام حصل زيادة في المرض على ما كان على ما جرت به العادة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (.. وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ)([269]))([270]).
وجاء عند الشافعية والحنابلة مثل ذلك: ففي المجموع المذهب: (لو كانت الأم مجذومة والولد غير رضيع فينبغي القول بإسقاط حضانتها) ([271]).
وجاء في كشاف القناع: (وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها في الحضانة كما أفتى به المجد ابن تيمية، وصرح بذلك العلائي الشافعي في (قواعده)، وقال: (لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها)، وقال في الإنصاف: (وقال غير واحد وهو واضح في كل عيب متعد ضرره إلى غيره، فالجذامى ممنوعون من مخالطة الأصحاء، فمنعهم من حضانتهم أولى) ([272]).
وجاء في الكشاف: (ولا يجوز للجذماء مخالطة الأصحاء عموماً .........وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء بأن يسكنوا في مكان منفرد لهم) ([273]).
وعلى ذلك فالفقهاء المتقدمون يرون إسقاط الحضانة عن المصاب بمرض يمكن انتقاله إلى المحضون، ويكون خطراً عليه، كالجذام وغيره.
وأما الفقهاء المتأخرون فرأيهم في هذه المسألة: * أنه إذا لم يكن للمحضون حاضن بديل، فلا تسقط حضانته([274]). * أن الأفضل هو إبعاد المحضون عن المصاب. * واختلفوا فيما إذا كان هناك بديل للمحضون، ولكن الحاضن الأقرب مصاب. وعلى ما سبق فلهم في هذه المسألة قولان: الأول: لا يجوز إسقاط الحضانة من المصاب بمرض معدي: وقال بذلك جملة منهم، وهو ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي([275])، وكذا الندوة الفقهية الطبية.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم:90(7/9) بشأن مرض الإيدز والأحكام الفقهية المتعلقة به جاء في الفقرة: (رابعاً: حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) لوليدها السليم وإرضاعه:
لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز لوليدها السليم وإرضاعها له، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية، فإنه لا مانع شرعاً من أن تقوم الأم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي) ([276]). والواضح أن المجمع جزم بعد إسقاط الحضانة والحال هذه، ما لم يأت الطب بإثبات انتقال العدوى عن هذا السبيل.
القول الثاني: إيقاف حضانة المصاب بمرض الإيدز حتى يتضح الأمر، ويقطع بعد الانتقال، إن وجد من يقوم بحضانته غير المصاب([277]).
جاء في كتاب الإيدز أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعية: بعد ذكر المؤلف لبعض أقوال الفقهاء المتقدمين الداعية إلى إسقاط الحضانة، قال: (..... وعليه فإن القول بإيقاف حضانتها حتى يتضح الأمر قول وجيه، فإن امتنع الولي وأصر فسق..) ([278]). وقال قبل ذلك: (.. ولكن الذي أميل إليه والحالة هذه من عدم وضوح وسائل انتقاله: أنه يأخذ حكم الجذام والبرص حتى يقطع بعدم الانتقال بالمعايشة إن وجد من يقوم بحضانته غير المصاب، وإلا وجب بقاؤه مع المريض)([279]).
والراجح من هذين القولين: أن يكون الطفل في حضانة أمه من حيث وجوده في البيت وأشرافها عليه، وهذا يفي بالأغراض المرادة من الحضانة عطفاً وتربية وحناناً، ولكن دون ملاصقة حميمة أو تقبيل في الفم خاصة تفادياً لاحتمال انتقاله بواسطة اللعاب ـ وإن ضعف ـ مما قد يكون سبباً لنقل المرض.
المطلب الثاني: حضانة الأم السليمة للطفل المصاب مما سبق يتبين أن الخوف الحاصل على الطفل سيكون هو نفسه المخوف على الأم، وبناءً على ما تقدم ذكره في المطلب الأول، فإذا كان الخوف هناك على الطفل السليم فالمحذور نفسه هنا في حق الأم، إلا أن الاحتمال ضعيف، والأصل عدم انتقال المرض بذلك. وما تم ذكره في المطلب الأول يذكر هنا من باب أولى، لأن حياة الأم أعظم من حياة الطفل؛ لما يترتب عليها من أعباء الحياة، وتربية الأبناء الآخرين، والقيام بحق الزوج. ولذلك فإن الحكم السابق في المطلب الأول يطبق على هذه المسألة في هذا المطلب لكون الأم تقوم على حضانة طفلها، وتشعره بحنانها دون تقبيل، أو ملاصقة حميمة ونحو ذلك مما يكون مظنة لانتقال العدوى، وطلباً للاحتياط.
المطلب الثالث: حضانة الأب المصاب للطفل السليم: قد يكون الأب هو الحاضن للطفل السليم، ويكون هو المصاب بالمرض المعدي، وقد تكون الأم متوفاة أو متزوجة بأجنبي، أو لا تستطيع الحضانة لسبب أو لآخر، والأب المصاب هو الأولى بالحضانة ففي هذه الحالة، وبناء على ما تقدم من كلام أهل الاختصاص من الأطباء، والأئمة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين: فيجوز للأب المصاب أن يحضن ولده السليم بناءً على المعطيات الطبية الحالية لأنه لا خطر على الأب منه، ولكن ينبغي أن يحتاط الأب لنفسه، وأن تكون ممارسته واختلاطه بالمحضون فيها شيء من التحفظ ـ بإذن الله تعالى ـ.
الخاتمة
الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، وبعونه تقضى الحاجات، والصلاة والسلام على قدوة الأنام، ورسول الإسلام الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد:
فهذا البحث أردت فيه بيان بعض الأمور الهامة التي تحتاجها المرأة المسلمة في حياتها الزوجية والاجتماعية، وإني أحمد الله على توفيقه وإعانته وتيسيره وأسأله المزيد من فضله.
ووصيتي لنساء المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يتوجهن الاتجاه الصحيح في طلب العلم الشرعي حيث الحاجة شديدة إلى معرفته من أجل الدفاع عن الإسلام، ولاسيما في قضايا المرأة، خاصة في وقتنا الحالي الذي كثر فيه التهجم على الشريعة وأهلها وخاصة المرأة، وكثر فيه البعد عن الله تعالى، والله تعالى أوضح لنا السبل الموصلة إليه وذلك ببذل الجهد والوقت من أجل التحصن به من مزالاق شياطين الإنس والجان، ويا بشرى لمن سمع وعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)([280]).
هذا ما تم تقييده فما كان فيه من صواب فبتوفيق من الكريم المنان، وما كان فيه من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان، وإني أرجو الله تعالى أن يبارك في هذا البحث، وأن ينفع به المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها. وأسأله جل في علاه أن يجعله خالصاً لوجهه، مقبولاً عند خلقه، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وأن يكون في موازين الحسنات يوم نلقاه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ منقوووووووووووول